بُدِّلْتُ منه بقَيْدٍ لَسْتُ أفْلَتُه * * * وكيف أفْلَتُ قَيْداً صاغَهُ اللهُ
أَسْرَى الصَّبابَة ِ أَحْياءٌ وإنْ جَهِدُوا * * * أَمّا المَشِيبُ ففِي الأَمْواتِ أَسْراهُ
..........................................
كفى حزناً أن الشباب معجلٌ * * * قصيرُ الليالي والمشيب مخلّد
إذا حَلَّ جَارَى المرء شأْوَ حياته * * * إلى أن يضم المرءَ والشيبَ ملحد
أرى الدهرَ أجْرَى ليله ونهاره * * * كَمَا أنَّه وِتْرٌ ـ إذا عُدَّ ـ سُؤْددُ
وجار على ليلِ الشباب فضامَه * * * نهارُ مشيبٍ سرمد ليس ينفد
وعزاك عن ليل الشباب معاشرٌ * * * فقالوا: نهارُ الشيب أهدى وأرشدُ
وإن سُلَّ منها فالْفَرائضُ تُرْعَدُ * * * ولكنّ ظلّ الليل أندى وأبرد
أقول، وقد شابتْ شَوَاتِي وَقَوَّسَتْ * * * قناتي وأضْحَت كِدْنِتي تَتَخدَّدُ
ودبّ كلالٌ في عظامي أدبَّني* * * ويوصف إلا أنه لا يُحَدّدُ
وبورك طرْفي فالشخوص حياله * * * قَرَائن من أدنى مدى ً وَهْيَ فُرَّدُ
بحيث يراعيه الأَصَلُّ الخَفَيْ دَدُ * * * سليمى وريّا عن حديثي ومهددُ
وبُدِّل إعجاب الغواني تعجباً * * * وَهُنَّ الرزايا بادئا تٌوعُوَّدُ
لِمَا تُؤذن الدنيا به من صروفها * * * يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وإلا فما يبكيه منها وإنها * * * وماليَ إلاَّ كفُّها مُتَوَسَّدُ
إذا أبصر الدنيا استهل كأنه * * * بما سوف يلقى من أذاها يُهَدَّدُ
وللنفس أحْوال تظلُّ كأنها * * * تشاهِد فيها كلَّ غيب سيُشهَدُ
لعبتُ بأولى الدهر فاغْتَال شِرَّتي * * * بأخرَى حقودٍ والجرائم تحقد
فصبراً على ما اشتدّ منه فانمأ * * * يقوم لما يشتد من يَتَشدَّدُ
تذيق الفتى طوْرَى رخاء وشدة * * * حوادثهُ والحولُ بالحولِ يُطرد
ومالي عزاء عن شبابي علمتُه * * * سوى أنني من بعده لا أُخَلَّدُ
وأن مَشِيبي واعدٌ بلَحَاقه * * * وإنْ قال قوم إنه يَتَوَعَّدُ
..........................................
لا تَلْحَ مَنْ يبكي شبيبته * * * إلا إذا لم يبكها بدمِ
عيْبُ الشبية غَولُ سَكْرتِها * * * مقدارَ ما فيها من النِّعم
لسنا نراها حقَّ رُؤيتها * * * إلا زمان الشيب والهرم
كالشمسِ لا تبدو فَضِيلتُها * * * حتى تَغَشَّى الأرضُ بالظُّلم
ولرب شئ لا يبيّنه * * * وجدانُه إلا مع العدم
..........................................
رأيت سواد الرأس والله وتحته * * * كليْلٍ وحُلمٍ باتَ رائيه ينعمُ
فلما اضمحلّ الليلُ زال نعيمُه * * * فلم يبق إلا عهده المتوهم
............................................
نَفَى همُّ شيبي سرورَ الشبابِ * * * لقد أظلمَ الشيبُ لمّا أضاءَ
قضيتُ لظلَ الصبا بالزوال * * * لمّا تحوّلَ عنّي وفاءَ
أتعرفُ لي عن شبابي سُلُوّا * * * ومَن يجدِ الداءِ يبغٍ الدواءَ
أأكسو المشيبَ سوادَ الخضابِ * * * فأجعلَ للصبح ليلاً غطاء
وكيفَ أُرَجِّي وفاءَ الخضاب * * * إذا لم أجِدْ لشبابي وفاءَ
وريحٍ خفيفة ِ رَوْحِ النسيمِ * * * أطلتْ بليل وهبّت رُخاء
سرت وحياها شقيق الحياة ِ * * * على ميِّتِ الأرضِ تُبْكِي السماءَ
..........................................
جارَ المَشيبُ على رأسِي فَغَيَّرَهُ * * * لَّما رأى عَندَنا الحُكَّامَ قَدْ جَارُوا
كَأنَّما جُنَّ لَيْلٌ في مَفارِقِهِ * * * فَاعْتاقَهُ مِنْء بياضِ الصُّبحِ إسْفارُ
.......................................
نسجَ المشيبُ له لفاعاً مغدقا * * * يققاً فقنعَ مدرويهِ ونصفا
نظرُ الزمانِ إليه قطعَ دونهُ * * * نظرَ الشقيقِ تحسراً وتلهفا
ما اسوَدَّ حتَّى ابيَضَّ كَالكَرمِ الذي* * * لم يَأْنِ حتَّى جِيءَ كَيْمَا يُقْطَفا
..........................................
سَئِمْتُ مِنَ المُوَاصَلَة ِ العِتَابَا * * * وَأمسَى الشَّيبُ قَدوَرِثَ الشّبابَا
........................................
أتصحو بل فؤادكَ غيرُ صاح * * * عشية َهمَّ صحبكَ بالرواحِ
يقُولُ العاذلاتُ: عَلاكَ شَيْبٌ، * * * أهذا الشيبُ يمنعني مراحي
..................................
تَعَجَّبُ أنْ نَاصى َبيَ الشيْبُ وارْتقى* * * َإلى الرأسِ حتى ابيضّ مني السائح
فقَدْ جَعَلَ المَفرُوكَ لا نامَ ليْلُهُ* * * يحبُّ حديثي والغيورُ المشايح
.....................................
¥