تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وابنُ خَلدون مِثْلُ غيرِهِ مِنْ عُلَماءِ عَصْرِهِ والعُصورِِ السابقة، كان ذا ثقافةٍ موسوعية؛ إذ كان لديه إحاطةٌ بالعديد من العلوم، وإلمامٌ كبيرٌ بعلومٍ أُخرى، لكنَّه تخصَّصَ في دراسةِ الظواهر الاجتماعية، وتوصَّلَ إلى أنَّها مَحْكومَةٌ بالقوانينِ والسُّنَنِ نفسِها التي تَحْكُمُ سلوكَ الظواهر الطبيعية، وأقامَ علاقةً قويةً بين البيئة الطبيعية –الجغرافية من جهة، والسلوك البشري والاجتماعي والنفسي من جهة أخرى. فهل أَخْطأَ ابنُ خَلدون أمْ أصَابَ في ذلك؟ وما المعايير التي تَصْلُح أنْ نَحَاكِمَه عليها؟

ولَمْ يكُن ابنُ خَلدون غريباً عن ميدانِ العُلوم الإسلاميةِ النَّقْلية؛ فإسهاماتُه تَشْهَدُ بتَبَحُّرِهِ في عُلوم القُرآنِ والسُّنَّة والفِقْه، حتى عُدّ مؤهَلاً لتولِّي منصبَ قاضي قضاةِ المالكية بمصر، فهل ثَمَّةَ مشكلةٌ في هذه الإسهامات تُبَرِّرُ تَهمِيشَ مكانَتِه وإسقاطِها من اهتماماتِ عُلَماءِ الشريعة؟ وهل ثَمَّة مشكلةٌ في علاقةِ النتائج التي تَوَصَّل إليها ابنُ خَلدون مع الدراسات النَّقْلِيَّةِ المعروفة؟

وقد جعل ابنُ خَلدون العَصَبِيَّةَ نموذجاً تفسيرياً في دِرَاسةِ الممالكِ، وتَبَدُّلِ الدولِِ، وتَغَيُّرِ النُّظُمِ السياسية، وعلاقةِ ذلك بمفهوم العُمْرانِ البشري، وتَطَوُّرِ المجتمع، وأحوالِ المعيشة والاقتصاد. فكيف استعمَلَ ابنُ خَلدون هذا النموذجَ التفسيري فيما يتعلق بِفَهْمِ الماضي؟ وإلى أيِّ حَدّ كان يستخدِمُهُ في التنبُّؤِ عن المستقبل؟

وقد أسْرَفَ كثيرٌ من الدارسين لِمُقدِّمَةِ ابنِ خَلدون في الحُكْم على عَطَائِه الفكريّ فيها، وتصنيفه في حقول علمية عديدة، فمنهم من عدّه مؤرخاً أو مؤسساً لعلم التاريخ، أو علم الاجتماع، أو علم الاقتصاد، أو علم الاجتماع السياسيّ، أو علم التربية، أو غيرها من العلوم، فهَلْ ثَمَّة وَسِيلَةٌ لِتَحْلِيلِ هذا العَطاءِ الفِكْرِيِّ، والتوصُّلِ إلى حُكْمٍ مَوضُوعِيّ مَوْزُونٍ يتجاوزُ الإفْرَاطَ والتَفْرِيطَ، ويجعلُ بالإمْكانِ الاستفادةَ من إنجازاتِ ابنِ خَلدون واستِلْهامِ دُروسِها؟

ويرى بعضُ الباحثين أنَّ أفكارَ ابنِ خَلدون، التي اشتهر أنَّه تميّزَ بها عن غَيْرِه، ليست غريبةً عن أعمالِ من سَبَقَهُ من عُلماءِ المسلمين، فهل يمكنُ تَتَبُّعُ هذه الأفكارِ الخاصَّة في التُّراثِ الإسلامي السَّابقِ لابنِ خَلدون؟ وما السببُ في اشْتِهَار ابنِ خَلدون بها؟ ومن جهة أخرى، فإنَّ بعضَ أفْكَار ابنِ خَلدون مَثَّلَتْ إسهاماتٍ خاصةً قال بها بعضُ المُفَكِّرين في الغرب فيما بعد، فهل ثَمَّة عناصرُ مشتركةٌ في منهجيّة التفكير بينه وبينهم؟ وكيف يظهرُ التميّز الإسْلاميُّ لابْنِ خَلدون، بالمُقَارَنَةِ مع غَيْرِهِ من المفكرين الغَرْبيين؟

وليْسَ ثَمَّةَ شَكٌّ في انْتِسَابِ ابنِ خَلدون إلى الدائِرَةِ الحَضَارِيَّةِ الإسلامية، فإنّه انطلق من نِظَامٍ مَعْرِفِيٍّ إِسْلامِيّ، ومع ذلك فإنّه رُبَّمَا يكُونُ قد تَوَصَّلَ إلى نَتَائِجَ مختلفةِ عن نتائج من سَبَقَهُ من العلماء، الذين كانوا ينطلقون من مَنْهج فِقْهِي وأُصُولِيٍّ، فما عناصِرُ النِّظَامِ المَعْرِفِيّ الذي استَخْدَمَه ابنُ خَلدون؟ وما خصائصُ المَنْهَجِيَّةِ التي اسْتَخدمَها؟ وما علاقَتُها بالثَّوابت الشرعية؟ وهل ثَمَّةَ إشْكالِيَّةٌ بَيْن تِلك المنهجية وهذه الثَّوابت؟

هذه الأفكارُ والتساؤلاتُ كانت مَوْضُوعاً لندوةٍ عِلْمِيَّة نَظَّمَها المَعْهَدُ العَالَمِيُّ للفِكْرِ الإسلاميِّ، بالتعاون مع جامعة آل البيت في الأردن، وذلك في سَِياقِ الجُهودِ التي تبُذل في دراسَةِ حَرَكاتِ الإصْلاحِ وجُهودِ العُلماءِ والمُفَكِّرين في التاريخ الإسلاميّ، ومِنْ أجْلِ فَهْم مَنَاهِج التغيير والإصْلاح الفِكْريِّ والثَّقَافِيّ واسْتِيعابِها، واسْتِخْلاصِِ عَلاقَتِها بظُرُوفِ الزَّمانِ والمَكَان، وبطبيعة التحديات التي تواجِهُ الأمَّةَ في العُصُورِ المُتَلاحِقَةِ، وبَيَانِ مدى انْعِكاسِ ذلك كلِّه على مَسِيرةِ الجُهودِ الإصْلاحيَّة المُعَاصِرَة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير