تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مكتبات بغداد المحترقة منذ العباسيين حتى شارع المتنبي]

ـ[عبدالله الوشمي]ــــــــ[15 - 12 - 07, 09:49 م]ـ

أول محنة من محن الوراقة ببغداد حصلت

إبان الحرب بين الأخوين الأمين والمأمون

رشيد الخيُّون

## حذفت الصورة ##

## المشرف ##

شارع المتنبي قبل الحادث و بعده

دعونا نتذكر ثقافة الوراقة ببغداد، وهو أعمق نعياً ورثاء لشارعها، ومعلوم أن في اللجوء إلى التاريخ، مع سلبية النوح على الأطلال، قد ينفع في مجابهة الانكسار، لعل التجارب تتكرر، والتفاؤل بالماضي، إزاء واقع الحال، أهون من اللاتفاؤل. يذكر النديم (ت 388 وقيل 438هـ والأول أرجح) سوق الوراقين في جانب الرصافة من بغداد. قال في ترجمة صاحب «كتاب بغداد» أحمد بن أبي طاهر المعروف بابن طيفور (ت 280هـ) «جلس في سوق الوراقين في الجانب الشرقي» (الفهرست).

وجاء في «دليل خارطة بغداد» لأحمد سوسه، ومصطفى جواد «كانت فيها (بغداد) أكثر من مائة حانوت للوراقين». ولعلها السوق المشتبكة مع أسواق البضاعة الأخرى، والممتدة اليوم في سوق الشورجة حتى سوق السراي وشارع المتنبي. ويذكر النديم أيضاً أول محنة من محن الوراقة ببغداد إبان الحرب بين الأخوين الأمين والمأمون، عندما نُهبت الدواوين: «كانت تمحى ويُكتب فيها» (الفهرست). وبعدها أُحرقت على مرأى من الناس، أكثر من مرة، كُتب شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460)، وذلك حال دخول السلاجقة بغداد، فاضطر إلى الإقامة بالنجف، وكان ذلك سبباً لتأسيس الحوزة الشيعية عام 448هـ. وحسب ابن الأثير أنه في سنة 510هـ أُحرقت مكتبة المدرسة النظامية ببغداد، لكن الكُتب نجت بأعجوبة. قال: «احترقت خزانة كتب النظامية، وسلمت الكتب. لأن الفقهاء لما أحسوا بنار نقلوها» (المكتبات في الإسلام عن الكامل في التاريخ).

وبعدها كانت كارثة الكُتب إبان الغزو المغولي (656هـ). إلا أن المؤرخين اختلفوا في تقديراتهم، بين مغالٍ قال جرت دجلة بلونين: أحمر من كثرة الدماء وأسود من كثرة المداد. ومن دون ذكر أي رأي آخر ظل المعاصرون يرددون تلك المقولة، مع أنها ليست ثابتة ولا مؤكدة في التاريخ. وجاء في رواية ابن تغرى بردى (ت 873هـ)، وهو من المؤرخين المتأخرين بأكثر من قرنين على الغزو المغولي: «خُربت بغداد الخراب العظيم، وأُحرقت كتب العلم، التي كان بها من سائر العلوم والفنون، التي ما كانت في الدنيا. قيل: إنهم بنوا منها جسراً من الطين والماء عوضاً عن الآجر» (النجوم الزاهرة).

وقد سبقه ابن خلدون (ت 808هـ)، وهو من المتأخرين أيضاً، إلى القول: «ألقيت كُتب العلم، التي كانت بخزائنهم في دجلة، وكانت شيئاً لا يعبر عنه». ويصعب قبول رواية تغير لون ماء دجلة، ولا رواية صناعة جسر من الكُتب. وخلاف ذلك يذكر الفقيه والمؤرخ الحنبلي ابن الفوطي (ت 723هـ) في معجمه «تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب»، أن عالم الفلك الخواجة نصير الدين الطوسي (ت 673هـ)، الذي كان أحد المرافقين لهولاكو مع فقهاء وعلماء آخرين، تكلف بحماية العلماء وحماية المكتبات، فكلف بدوره شارح نهج البلاغة الشافعي ابن أبي الحديد (ت 656هـ) وآخرين بإعادة الكُتب المنهوبة من الخزائن، والتي اشتراها أهل الحلة والكوفة أيام حصار بغداد، قبيل الغزو.

وورد في «الحوادث الجامعة» لمؤلف معاصر للحدث: «كان أهل الحلة والكوفة والمسيب يجلبون إلى بغداد الأطعمة فانتفع الناس بذلك، وكانوا يبتاعون بأثمانها الكتب النفيسة وصفر المطعم». أما كُتب المدرسة المستنصرية فلم يصبها أذى، وظلت المدرسة عاملة حتى القرن العاشر الهجري. إضافة إلى مكتبة المستنصرية (افتتحت العام 631هـ) كان قبيل الغزو المغولي للخواص مكتباتهم، وفي مقدمتها تأتي دار كتب الخليفة المستعصم بالله (قُتل 656هـ). قال أحد الشعراء في يوم افتتاحها: «أنشأ الخليفة للعلوم خزانة .. سارت بسيرة فضله أخبارها». وقيل «شيد (المستعصم) دارين للكتب وراءَها (سوق الرياحين)، وضع فيهما كتبه، ولم يصبها ضرر في الحصار المغولي» (دليل خارطة بغداد).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير