تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عن تاريخ الفلسفة الإسلامية، من أنَّ الدِّينَ لم يؤَثِّرْ في آراء ابنِ خَلدون العِلْمية. ()

ومِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، نَجِدُ بعض الباحثين الغربيين يجتزِئون مِنْ معرفَتِهم المحدودة، أو المشوَّهة عن التاريخ الإسلامي والإسْهامات العِلْمِية للمسلمين، جوانبَ في غاية الضيق والجُزْئِيَّةِ، وقَطْعِ المادةِ من سِياقِها، ونَقْلِ الأفكار دون تمحيصها أو عَزْوِها إلى مصادرها الأولية. ورُبَّما أصبحتْ هذه الإشاراتُ العابرةُ بَعْدَ ذلك مصادرَ أوليةً لكثير مِنَ الباحثين والدارسين العَرَب. ومن الأمثلة على ذلك كتابٌ جامعي في "الفكر الاجتماعي الغربي" الذي انتشر على نطاق واسع، يرى فيه المؤلفان أن "المجتمع المحمدي (!) الوسيط الذي كان في صراع مع العالم المسيحي خلال الحروب الصليبية ... أنتج تِلْمِيذاً لافتاً للانتباه هو الفيلسوفُ والمؤرخُ العربي (!) ابنُ خَلدون، وهو مواطن بربري (!) من تونس ... وطور في هذا الكتاب (المقدمة) نظرية الصراع في التغيير الاجتماعي، وعزا أهمية كبيرة للبيئة الطبيعية في تشكيل النظام الاجتماعي." ()

وإذا كانت هذه الأمثلةُ تَقَعُ في سياق الظُّلْم للحقيقةِ ولابنِ خَلدون معاً، فإنَّ من الظلم للحقيقة ولابن خلدون –أيضاً- أن يذهبَ مُحَقِّقُ المقدمةِ المشهور علي عبد الواحد وافي () إلى مقارنة جهود ابن خلدون بجهود طائفة من العلماء الأوروبيين، الذين درسوا فلسفةَ التاريخ مُنْطَلقين مِنْ نظرياتهم الفلسفية وآرائِهٍم المُبَيّتةَ مِنْ قَبْلُ، وحاولُوا أنْ يُخْضِعُوا حقائقَ التاريخ لهذه النظريات والآراء ... حتى تَنْثَنِِيَ لما يعتنقونه من مذاهب، بينما كان منهجُ ابنِ خَلدون لا يعتمد إلاّ على الملاحظة واستقراء الحوادث. ()

كذلك فإنَّ مِنَ الظلم لابنِ خَلدون أنْ نُحَاسِبَهُ على أنَّهُ فقيهٌ تربويٌ، ثُمَّ نناقشُ آراءَه وأحكامَه العابرةَ في التربية، في ضوء العلوم المعاصرة في التربية والمناهج وتقنيات التعليم وعلم النفس؛ أو أنَّه فقيهُ الاقتصاد، أو فقيهُ السياسة وغير ذلك، ثُمَّ نحاسبُهُ بناءً على ذلك في ضوء العلوم المتخصصة في حالتها الراهنة، وأنَّه يتفوق فيها على هذه العلوم في بعض المسائل، فضلاً عن أنَّه كان سابقاً عليها بستة قرون!

وفي مُقَابِل هذا الظُّلْم للحقيقة ولابن خلدون، فإنَّنا نَرَى العَدْلِ أنْ نكْتَفِيَ في دراستنا لابن خَلدون بالإشارةِ إلى الجوانبِِ المعرفية العامَّةِ، والأُطُرِ المنهجية التي شَكَّلَتْ فِقْهَهُ الاجتماعي، ووَعْيَهُ بِصِلَةِ الجوانب السياسية، والاقتصادية، والتربوية، والبيئية، وغيرها، بالظاهرة الاجتماعية، وهذه في نظرنا هي ملامحُ الرُّؤْيَةِ الكُلِّيةِ عند ابنِ خَلدون، وهي قضية معرفية منهجية، ربما تعيننا على إقامة صلة ذات دلالة بين فكر ابن خلدون، والفكر الإسلامي والإنساني المعاصر.

وقد تكونُ هذه المَلْحُوظات ضروريةً بين يديّ هذه البحوثِ، التي يَضُمُّهَا هذا العدد من مجلّة "إسلاميّة المعرفة" والعدد الذي يليه، ذلك أننا مع التنويه بالقيمة الخاصَّة التي رُبَّما يَحْمِلُها كلُّ بحث، فإنَّ بعضَ البحوث قد وقعت في بعض ما أشَرْنَا إليه من مبالغات. لكننا نأمل أن تكون البحوث في مجملها قد أسهمت في تقديم إيضاحات مفيدة حول رؤية ابن خلدون للإصلاح والتغيير، في مباحث الفكر الإسلامي ومسائله، وفي واقع الحياة الإسلامية وقضاياها على عهده، وأن تكون قد كشفت عن أن ابن خلدون لا يزال يعيش بيننا بعد مرور ستمائة عام على وفاته، وأن بعض ما جاء في كِتَاب المقدمة، يُعَدّ أكثرَ معاصرةً لقضايا الأمَّة مِنْ كثير مما يَكتبُه الكتّابُ ويَنْشرُه الناشرُون في عَصرنا!

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[22 - 05 - 08, 04:51 م]ـ

http://www.eiiit.org/eiiit/eiiit.asp

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير