تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولاحَظَ حسين شحاته سعفان أنَّ أهمَّ ما ميّز ابنَ خَلدون هو البُعْدُ الفَلْسَفِيّ والمَنْهَجِيّ الذي مَكَّنَه من تَطْوِير عِلْم اجْتِمَاع المعْرِفة (سوسيولوجية المعرفة)، وتطبيقه لهذا العِلم المنهجي في تمحيص المعرفة التاريخية. () أمَّا حامد ربيع، فحلَّلّ الفِقْهَ السياسيّ لابنِ خَلدون وجَعَلَ مِنْهُ "أحَدَ آباءِ عِلْم السياسة كما نفهمه اليَوْم." () وقد جَعَلَ محمد حلمي مراد عنوانَ بَحْثِهِ "أبو الاقتصادِ ابنُ خَلدون." () واختتم محمد عبد المعز نصر بَحْثَهُ بالقول: إنَّ ابنَ خَلدون "وَضَعَ -بهذا النِّظام السِّيَاسِيِّ الذي عَرَضَهُ في المقدمة حول دراسته للدول- أُسُسَ عِلْمِ السياسةِ في اللغة العَرَبية، وأنَّه خَرَجَ يطلبُ عِلمَ التاريخ فجاءَهُ عِلمُ السياسة." () وهكذا الأمر في معظم أوراق المهرجان!

ورُبَّمَا نكونُ أكْثَرَ إنْصَافاً لَوْ دَقَّقْنا النَّظَرَ في الموضوع الذي كان ابنُ خَلدون مهتماً بدراسته؛ وهو الظاهرةُ الاجْتِمَاعِيَّة، أو المجتمع الإنساني، وأنَّ هَدَفَ الدراسةِ كان تحديدَ القَوَاعِد العامَّةِ التي تَحْكُمُ تَطَوُّرات هذه الظاهِرَة. عِنْد ذلكَ، يَتَبَيَّنُ لنا أنَّ الظاهرةَ الاجتماعية هي ظاهرةٌ كُلِّية تَتَطلَّبُ دراستُها التمييزَ بيْن جوانبَ مختلفة؛ فَقَضِيَّةُ السلطةِ السياسية هي جزءٌ مِنَ الظاهرة، وقضيةُ التعليم والتعلّم هي جزءٌ آخر من الظاهرة، وموضوع الإدْرَاكِ والمعرفةِ البشريةِ هو جزءٌ من هذه الظاهرة، إلخ. وقد تعرَّضَ ابنُ خَلدون لهذه القضايا بِصُورَةٍ تكشف عن وَعْيِهِ على أهمية هذه الجوانب المختلفة، دون أنْ تُبَرِّرَ اعتبارَهُ فَقِيهَا مُتَخَصِّصاً في كل جانِبٍ.

ويبدو أنَّ كلَّ باحثٍ حاولَ أنْ يَجِدَ في كلامِِ ابنِ خَلدون نُصُوصَاً تَدْعَمُ ما كان يذهبُ إليه؛ فتَجِدُ باحثاً يؤَكِّدُ على رأْيٍ مُعَيَّنٍ يَمِيلُ إليه، مُسْتَشهِداً بنصوصِ ابنِ خَلدون، وفي الوقت نفسِهِ نَجِدُ باحثاً آخرَ يؤكدُ على نَقِيضِ ذلك الرأْي، وهو يستشهد –كذلك- بنصوصٍ أُخْرَى من ابنِ خَلدون. وتَجِدُ مِصْدَاقَ ذلك، بصورة واضحة، في أوراق مهرجان ابنِ خَلدون المشار إليه.

لكنَّ الأنْكَى مِنْ ذلك -في موضوع الأدبيات الخلدونية- تلك الجهودُ التي حاولت إخراجَ ابنَ خَلدون من بيئتِه ونَسَبِهِ وثقافتِهِ، وأحياناً مِنْ دِينِهِ. فمِنَ الباحثين من عدّ ابنَ خَلدون متديّناً عَلْمانياً يَفْصِلُ بين التديّن الشخصي، والممارسة العلمية، ومثال ذلك ما ذَكَرَهُ محمد عبد الرحمن مرحبا الذي عدّ ابن خلدون متديّناً، مع أن الدِّينَ عِنْدَه لا علاقةَ له في تَفْسِير مَصْدَر الأخلاق، "فالأخلاق عنده (أي: عند ابن خلدون) ظاهرةٌ كبقيةِ الظواهِرِ الاجْتِماعية التي دَرَسَهَا، وهو يُسجِّلُ هذه الظاهرة بموْضُوعيةٍ نادرةٍ أخّاذة، دون أن تؤثر آراؤُه الدينية أبداً في حُكْمِهِ عليها، إنَّها ظاهرةٌ ماديّةُ صِرْف، لها أسبابُهَا الماديَّةُ وظروفُها الموضوعية ... أما الدِّينُ فهو عقيدةٌ شخصيةٌ لا شأنَ لها بالبَحْثِ العلمي." ()

وقد أشار "مصطفى الشكعة" إلى أنَّ "كامل عيّاد" استخدم النَّهْجَ نَفْسَه، في رؤيتِهِ لابنِ خَلدون في كتابه: نظريةُ ابنِ خَلدون التاريخية الاجتماعية، المطبوع في برلين (1930)، وإلى طه حسين في أطروحته للدكتوراه في جامعة السوربون سنة 1917 بعنوان: فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، () وإلى عدد من المستشرقين، كل ذلك في سياقٍ يَتَرَاوحُ بين الحَطَِّّ من قَدْر ابنِ خَلدون، والإشارةِ إلى شُعُوبِيَّتِهِ، وكراهِيَّتِهِ للعَرَب، ووَصْفِ نظريتِهِ في العصبية بأنَّها تعبيرٌ عن الرُّوح الحزبيةِ والطبقية؛ أو التقليل مِنْ شأنه بمقارنَتِهِ بمن سبقَهُ مِنَ الفلاسفة، أو في امتداحِهِ بأنَّه ارتفعَ فوق معتقداتِهِ الدينية وهو يُحَقِّقُ مُنْجَزَاتِهِ الضَّخْمَة! ويَبْنِي نظريتَه العلميةَ -بطريقةٍ فريدة- على المادة التجريبية! وأنَّ نظريتَهُ تتفَوَّقُ على المادية التاريخية التي جاء بها ماركس. () ونَجِدُ فكرةَ التَّمْيِيز بين المرجعية الدينية عِنْدَ ابنِ خَلدون، وما تَِوَصَّلَ إليه مِنْ أَحْكام وآراء يَحْلُو للباحثين تسميتُها بالنظريات، شائعةً عند كثير من الباحثين الغَرْبيين. ومِنْ ذلك ما أكَّدَه "دي بور" في كتابه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير