تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولأضرب لذلك مثالاًتعرضت له أثناء هذه الدراسة، ففيكتاب القياس عندما رصدت كلامه فيالحالات التي لا يتأتى فيها القياس، وتعرضت لحكم تطهير الماء من ولوغ الكلب فيه، وجدته يقرر ضعف مذهب من يقيس الصابون والأشنان والغسلة الثامنة على التراب، فيجعلها تقوم مقامه فيالتطهير من ولوغ الكلب، ويقرر بناء على ذلك تعيُّن التراب لهذا التطهير، ولكي يؤيد مذهبه هذا فيامتناع القياس يذكر ثلاث قواعد فينفس واحد من شأنها أن تذهب بمذهب المعارض أدراج الرياح، فهو يقرر ”أن النص إذا ورد بشيء معين، واحتمل معنى يختص بذلك الشيء، لم يجز إلغاء النص واطراح خصوص المعين فيه“ فورود التراب لم يأت إلا لمعنى اختصاصي يناسب ولوغ الكلب، وليس لمجرد التطهير حيث إن الماء يشارك التراب فيهذه الخاصية، وهذه هيالقاعدة الأولى.

وهو يقرر ”أن هذه المعاني المستنبطة (أي كون التراب للتطهير) إذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة فليست بذلك الأمر القوي فإذا وقعت فيها الاحتمالات فالصواب اتباع النص“ وهذا شيء مقرر في مسلك المناسبة من مسالك العلة، وهذه هيالقاعدة الثانية.

وهو يقرر ”أن المعنى المستنبط إذا عاد على النص بالإبطال والتخصيص فمردود عند جميع الأصوليين“، وهذه هيالقاعدة الثالثة.

ولأضرب مثالاً ثانياً مما تعرضت له في هذه الدراسة، وذلك عند تعرضه للمسألة السابقة، وهي التي تتعلق بالتطهير من ولوغ الكلب، حيث يذكر ما يمكن أن يجاب به على من يقول بأن علة غسل الإناء من ولوغ الكلب تنجيس الفم أو اللعاب باستعمال النجاسة غالباً لا عين الفم واللعاب، فيقول: ”وقد يعترض على هذا بأن يقال لو كانت العلة تنجيس الفم أو اللعاب ... لزم أحد أمرين، وهما إما وقوع التخصيص في العموم، أو ثبوت الحكم بدون علته، لأنا إذا فرضنا تطهير فم الكلب بماء كثير أو بأي وجه كان ثم ولغ في الإناء، فإما أن يثبت وجوب غسله أو لا، فإن لم يثبت وجب تخصيص العموم، وإن ثبت لزم ثبوت الحكم بدون علته، وكلاهما على

خلاف الأصل“، فهو هاهنا يذكر قاعدتين الأولى منهما تنتميإلى أبواب العام والخاص، والثانية تنتميإلى أبواب القياس.

ولنفس هذا السبب الذي يؤدي إلى تدافع وتدفق القواعد الأصولية عند ابن دقيق العيد، وهو طبيعة العمل الاجتهادي الاستنباطي؛ نجد ابن دقيق العيد في منحىً آخر يختصر باباً كاملاً في تقرير واحد، وهذا يتبين أيضاً في نفس المسألة التي تحدثت عنها آنفاً، والتي تتعلق بتقريره الذي يقول: ”إن المعاني المستنبطة إذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة فليست بذلك الأمر القوي، فإذا وقعت فيها الاحتمالات فالصواب فيها اتباع النص“، ففي هذا التقرير عدة مسائل تستوفي المباحث التي تتعلق بمسلك المناسبة من مسالك العلة، فهو يفيدنا من خلال هذا التقرير المكثف أن الأخذ بالمناسبة بمجرد الإبداء، ومن غير دليل يدل عليها من نص أو إجماع، مسلك فيه ما يشوبه، ويجعله ليس سالمًا من الاعتراض عليه، وهو بذلك يجعلنا نلتفت إلى الخلاف الواقع بين الأصوليين في إفادة المناسبة للعلية بمجرد إبداء المناسبة بين الحكم والوصف، أو توقف ذلك على استحضار نص أو إجماع على هذه المناسبة، وهذا هو ما يعبر عنه بقوله: ”إن المعانيالمستنبطة إذا لم يكن فيها سوى مجرد المناسبة فليست بذلك الأمر القوي“. وليرجع إلى هذا الخلاف فيموضوعه فيمباحث القياس.

ثم إن من وافق على هذا المسلك يشترط شروطًا فيالمناسبة لكيتصلح لتعديل الحكم بها، وهذه الشروط ينبغيألا تتطرق إليها الاحتمالات التيتقلل من خلوصها للتعليل بها، فإذا تبين وتحقق للمجتهد قصور المناسبة عن التعليل بها بالإضافة إلى الخلاف الواقع فيالأخذ بها بمجرد الإبداء ”فالصواب اتباع النص“.

إن هذه الدقة في العرض، وحدَّة الذهن في استحضار القواعد كانت من أهم صعوبات هذا البحث، لأنه يلزم من ذلك إجراء عملية استنباط أخرى من كلام ابن دقيق العيد نفسه لتحليل عبارته واستخراج القواعد والمسائل منها، ثم إسكانها بعد ذلك في مظانها من مباحث أصول الفقه ومسائله المتفرعة المتشابكة، ثم إجراء مقارنة بين آرائه واختياراته الأصولية وآراء غيره من الأصوليين، والخلوص بعد ذلك إلى الآراء التي اتفق فيها مع الجمهور وهي بطبيعة الأمر الأكثر، والآراء التي خالف فيها الجمهور من الأصوليين وهي قليلة جدًا، ويتبين أثره فيهذا العلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير