تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن طريف ما يذكر خازن ونساخ مكتبة المستعصم بالله من الأخير دخل يوماً إلى المكتبة على عادته، فشاهد فتى من الخدم نائماً، وسط هدوء الكتب، متلففاً بالملحفة الخاصة بمقعد الخليفة، فلما شاهده أخذ يتحرك بهدوء حتى لا يوقظه ويفزعه. قال الخازن: «نظرت فإذا هو الخليفة، وهو يستدعيني بالإشارة، ويخفف وطأه فقمت إليه منزعجاً وقبلت الأرض. فقال لي: هذا الخويدم، الذي قد نام حتى تلفف في هذه الملحفة، وصارت رجلاه على المسند متى هجمتُ عليه حتى يستيقظ ويعلم أني شاهدته على هذه الحال تنفطر مرارته من الخوف، فأيقظه أنت برفق فإني سأخرج إلى البستان ثم أعود» (ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية). ويبدو أن المستعصم بالله كان يقضي جل وقته في خزانة الكُتب، ذلك من الأخبار التي ينقلها المؤرخون حول تواجده فيها، وتسيير الأمور السومية منها.

وإثر مكتبة الخليفة أنشأ وزيره مؤيد الدين بن العلقمي (ت 656هـ) خزانة كتب عظيمة. قال فيها شقيق ابن أبي الحديد: «رأيت الخزانة قد زُينت .. بكتب لها المنظر الهائل» (الحوادث الجامعة). عموماً، ما أُتلف من كتب أثناء الغزو المغولي جاء في حوادث الحرب، وسقوط الدولة، وانعدام الحراسة، مثلما هو الحال يوم التاسع من أبريل/ نيسان/ 2003، إلا أنه أُسترجع ما أُسترجع، ونُقل العديد منها إلى منطقة مراغة، حيث الرصد الفلكي هناك. ولم يحدث لخزائن الكُتب من احراق وتلف متعمد مثلما حدث في سوق المتنبي مؤخراً.

وربما يفاجأ مثقفو العالم، وهم يشاهدون النار تأكل الكتب والتراث الثقافي والعلمي والأدبي العراقي، إذا علموا أن بين أروقة المدرسة المستنصرية ومكتبها اخترعت قراءة وكتابة مكفوفي البصر، أي سبقت باريس وعالمها (بريل) بسبعمائة عاماً، والمخترع هو مدرس المدرسة والمقيم فيها الكفيف زَين الدين علي بن أحمد الآمدي (ت 714هـ). كان ذلك في زمن السلطان المغولي غازان خان (ت). وطريقته نقلها المحقق ميخائيل عواد في كتابه «صور مشرقة من حضارة بغداد»، وصاحب «الأعلام» خير الدين الزركلي من كتاب «نَكت الِهميان في نُكت العميان»: كان إذا اشترى كتاباً أخذ قطعة ورق خفيفة، وفتل منها فتيلة صغيرة، وجعلها حرفاً على حساب الحروف، ثم يقرأها باللمس.

إلا أن سوق الوراقة، التي ذكرها النديم، والمكتبات التي ظلت قائمة بعد الغزو المغولي، لم يبق منها شيء في العهد العثماني. إذ لم يجد الرحالة نيبور، الذي زار بغداد في القرن السادس عشر الميلادي، «سوقاً للكُتب»، ويقصد بيع المخطوطات. ولا ريب أن العديد من المخطوطات، مثلما الآثار الإسلامية، أخذت طريقها إلى استانبول، حيث عُمرت على حساب مدن أقاليم الإمبراطورية العثمانية الأخرى. ولم ينشأ سوق الوراقين مجدداً إلا بداية القرن العشرين.

ووجود الكتاب المطبوع ليس بالجديد ببغداد، رغم محدوديته، فقد نشر أيام الوالي المملوكي داود باشا (1830) كتاب «دوحة الوزراء»، من مطبعة «دار السلام»، لرسول الكركوكلي. كذلك بدأت مطبعة الموصل الحجرية تطبع الكتب منذ 1856، وذلك بجهود الآباء الدوميكان. ولا ندري، إن كان سوق السراي هو وريث سوق الوراقين المذكور سلفاً، إذ تأسست فيه أوائل العشرينات مكتبات قليلة، مثل المكتبة «العصرية»، ومكتبة «النعمان»، والمكتبة «الحيدرية»، والمكتبة «العربية»، ومكتبة عبد الحميد زاهد وغيرها (عباس البغدادي، بغداد في العشرينات).

ثم تأسست في الثلاثينات مكتبة «المثنى»، التي يعد صاحبها الوراق قاسم محمد الرجب (ت 1974) كأحد أهم تجار وصُناع الكتاب ببغداد، وله مجلس أدبي في باحة المكتبة، ظل مفتوحاً حتى وفاته وقد أسس مكتبته بدكان صغير في سوق السراي، وظل يتنقل بها من دكان إلى آخر حتى «اشترى بيت الدكتور صائب شوكت فحوله إلى مكتبة المثنى في شارع المتنبي» (المطبعي، موسوعة أعلام العراق).

وكان للمثنى، التي تعرضت إلى حريق مدمر في نهاية التسعينات من القرن المنصرم، فرع بساحة التحرير، من الباب الشرقي، وقد فهرسها صاحبها بستة مجلدات، وصدر مجلة «المكتبة» الخاصة بعالم الكتب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير