فيقدم الكتاب نشأة مطبعة بولاق بعد جلاء الحملة الفرنسية عن مصر في سنة 1801م، حين عمت الفوضى البلاد، إلى أن استطاع محمد علي أن يصعد إلى سدة الحكم، وبدأ يفكر في بناء بلد قوي سواءً من الناحية السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، فبدأ بإنشاء المؤسسات على النمط الأوروبي الحديث، ومن بين المشروعات التي احتاج إليها في مسيرته التنموية كانت إنشاء مطبعة تنشر كل ما يراه مناسبًا لاستقرار دولته. حيث بدأ محمد علي يفكر في إدخال الطباعة إلى مصر منذ عام 1815م.
ويذكر الكتاب الأسماء المتعددة لمطبعة بولاق والتي كان من بينها "دار الطباعة"، و"مطبعة صاحب السعادة"، و"المطبعة الأميرية"، إلا أن اسمها الرسمي التاريخي الذي عرفت به هو "مطبعة بولاق".
ثم انتقل الكتاب لعرض آلات وحروف الطباعة التي تم استيرادها في أول الأمر من ميلان بإيطاليا حيث تم تجهيز مطبعة بولاق وقت إنشائها بآلات من أحدث الطرز. أما الحروف المستخدمة في المطبعة فكانت عبارة عن قطعة من المعدن أو الخشب غالبًا ما تكون قائمة الزوايا ذات وجه بارز من أوجهها الستة وهذا هو الوجه الذي يحدث الطبع. كما تم استيراد مواد الطبع من ورق ومداد من إيطاليا كما استوردت عدد المطبعة وآلاتها.
أما فيما يتعلق بسياسة العمل بالمطبعة، فيذكر الكتاب أنه لم يكن لمطبعة بولاق أي لائحة أو قانون وقت إنشائها لأن اللوائح والقوانين وما يجري مجراها لا تكون إلا وليدة الحاجة وقد نشأت مطبعة بولاق نشأة بسيطة ولم يتوقع المشرفون عليها ما يستلزم وضع لائحة أو قانون لتنظيم العمل بها. لكن سرعان ما تعقدت أحوال مطبعة بولاق، ودعت الأحوال الجديدة إلى سن القوانين الخاصة بالمطبعة، وتحديد سياسة للطبع بها ووضع نظام للرقابة على مطبوعاتها.
ويستعرض الكتاب مطبعة بولاق في عهد أسرة محمد علي باشا وقد جاء في هذا الفصل انتعاش المطبعة في عصر الباشا الكبير حيث كانت محط اهتمامه ورعايته، ثم عرض أحوال المطبعة في عهد الوالي عباس حلمي الأول، وقد أخرجت المطبعة في عهده بعض الكتب القيمة منها "مقامات الحريري" و"خطط المقريزي"، أما أحوال المطبعة في عهد الوالي سعيد باشا فيذكر الكتاب أن نشاطها كان محدودا لا يعدو سجلات الحكومة وبعض الكتب القليلة.
ثم يعرض الكتاب لمرحلة جديدة في رحلة المطبعة وهي إهداء سعيد باشا المطبعة إلى عبد الرحمن باشا رشدي مدير مصلحة السكك الحديدية بالبحر الأحمر، إلى أن انتقلت المطبعة بعد ذلك في عهد الخديوي إسماعيل إلى الدائرة السنية حين اشتراها الخديوي إسماعيل باسم ابنه الأمير إبراهيم حلمي وضمها إلى الدائرة السنية وهي دائرة الأملاك التابعة لأبناء الخديوي إسماعيل.
ويرى العديد من المؤرخين أن عهد تبعية المطبعة للدائرة السنية يعد من أزهى عهود مطبعة بولاق، حيث استهلت المطبعة عهدها الجديد بإصلاح وتجديد آلاتها مثل شراء آلة لعمل ظروف الخطابات في 1869م، وكان من نتيجة التقدم الذي شمل مطبعة بولاق في هذا العهد أن اشتركت في معرضين دوليين أقيم أحدهما في باريس سنة 1867م، وأقيم الثاني في فيينا في سنة 1873م.
ويذكر مؤلفا الكتاب أن المطبعة ظلت تابعة للدائرة السنية إلى أن انتهى عصر إسماعيل وتولى حكم مصر الخديوي توفيق، وكانت الحركة الوطنية لا تزال حديثة العهد وكان الشعور القومي قد أخذ يشتد فعملت الحكومة على استرداد مطبعة بولاق إلى حوزتها خشية استخدام المطبعة في نشر الوعي السياسي والثقافي بين أفراد الشعب المصري.
استمر حال المطبعة بين التدهور والازدهار إلى قيام ثورة 1952م، فمع قيام الثورة أنشئت وزارة الصناعة عام 1956م، وضمت إليها مطبعة بولاق تحت مسمى: "الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية"، وما زالت المطبعة تلبي احتياجات الدولة من كافة أنواع المطبوعات، إلى جانب إسهامها في تنشيط حركة الطباعة والنشر في مصر والشرق الأوسط من خلال إصداراتها المختلفة.
يتناول هذا الفصل أيضاً إصدارات مطبعة بولاق المختلفة والمتباينة والتي يحصرها مؤلفا الكتاب في سبعة أنواع، هي: القوانين واللوائح والمنشورات، الكتب، التقاويم، الوقائع المصرية، القرآن الكريم، الأوراق والدفاتر الحكومية، ومقامات الموسيقى.
وأخيراً يعرض الفصل الخامس والأخير من الكتاب لأثر الكتاب العربي المطبوع على المجتمع المصري، فيوضح تاريخ ظهور الصحافة في مصر، والذي بدأ مع الحملة الفرنسية بجريدة "بريد مصر"، ثم الصحيفة التي صدرت عن المجمع العلمي بعنوان: "العقد المصري" أو "العشرية المصرية".
ثم عرض الكتاب للصحافة في أسرة محمد علي باشا، مثل: "جورنال الخديوي"، و "الوقائع المصرية"، و "الجريدة العسكرية". كما عرض الكتاب للصحافة في عهد الخديوي إسماعيل، مثل جريدة "يعسوب الطب" التي تخصصت في نشر أفضل المسائل الطبية المفيدة، وأيضاً جريدة "روضة المدارس"، وجريدة "أركان حرب الجيش المصري".
وينتقل المؤلفان للحديث عن تاريخ جريدة الوقائع المصرية كأول جريدة حكومية رسمية، فتحدث الكتاب عن سياسة محمد علي في توجيه عمل الوقائع المصرية، ثم دور الشيخ رفاعة الطهطاوي في تجديدها وتطوير سياستها، ومن ثم انتقل إلى أحوال الجريدة في عهد الوالي محمد سعيد باشا ومن بعده الخديوي إسماعيل. تناول الكتاب كذلك تاريخ الوقائع المصرية برئاسة الشيخ محمد عبده، ثم تاريخها منذ عام 1882 وحتى وقتنا الحالي.
الكتاب: الكتاب العربي المطبوع من الجذور إلى مطبعة بولاق
تأليف: د. خالد عزب وأحمد منصور
الناشر: الدار المصرية اللبنانية
تاريخ النشر: يناير 2009
عدد الصفحات: 367 صفحة