تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبحكم المكانة التي يحتلها طلب العلم في سلم أولويات السلفيين فقد كان لهم النصيب الأكبر من الاهتمام بالكتاب الإسلامي، بل إن الإسلاميين يمثلون جمهوراً لا بأس به لكتب الأدب العربي وعلوم اللغة بصفة عامة، كما يمثلون جمهوراً لا بأس به لكتب العلوم الاجتماعية والإنسانية.

ولا أدري متى يعترف اليساريون الذين يحلو لهم أن يحتكروا وصف الثقافة بواقع "ثقافتهم"؟! أم أن بيانات إسقاط المئات من طائرات العدو في المعارك الخاسرة، وبيانات جعل البلاد التي سقطت بالفعل في أيدي العلوج مقبرة لهم ما زالت هي اللغة السائدة عند اليساريين حتى في مجال الثقافة؟!

وهذه الظاهرة تمثل جانبا مضيئا، وتمثل إحدى المبشرات الكثيرة التي تؤكد أن المستقبل للإسلام، وأنه وإن كان عدد الشباب الذي يغرق في بحار الشهوات كبيراً؛ فإن عدد الذين يغرقون في بحار الشبهات في تناقص؛ حيث جففت منابع تلك "الشبهات" بفضل من الله ورحمة عن طريق عزوف الناس عن قراءة الكتب التي تدعو إليها.

إلا أن الظاهرة لم تخلُ من سلبيات يجب علينا جميعا أن نتعاون من أجل تلافيها:

منها أن كثيراً من الناس -بل ومن أبناء الصحوة- قد ترسَّب في ذهنه أنه طالما لم يكن خِرِّيجا لكلية شرعية؛ فهو في حاجة إلى ثقافة دينية، والتي تعني عنده معرفة مجملة، بل و"مشوهة" في كثير من الأحيان، ومن ثَم يتعامل مع الكتب بطريقة الجرائد التي يقرأها الإنسان مع انشغاله بطعام وشراب، وربما ومزاح، وغير ذلك من الشواغل.

فمما ينبغي أن يُعلم أن دينَ الله لا ينبغي أن يكون عُرضة لهذا العبث، وأن القارئ للكتب الشرعية عليه أن يتعامل معها تعامل الطالب المُجِدّ مع منهجه الدراسي، و مهما تفاوت الكتاب سهولة وصعوبة، أو تفاوت حجمه صغراً وكبراً؛ فلا بد من التعامل معه باحترام وإتقان.

ومما يتفرع على هذا المفهوم المبتور للثقافة الدينية لدى القراء عدمُ اعتناء الكثيرين منهم بمعرفة أصول العلوم ومبادئها، وما يترتب بعضه على بعض فيها، وكم من آفة حدثت من جراءِ مَن استعمل كتابًا لم يوضع له!

فبعض الناس يقرأ كُتُبا غيرَ محققة الأحاديث، ثم يعتقد كل ما نُسِبَ فيها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حقٌ دون أن يدري -ولو إجمالاً- المقبولَ والمردودَ مما نسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!!

وبعض المتحذلقين يقرأ في كتب أصول الفقه، ولكن بلا أصول ولا دراية بكيفية تطبيق الأئمة لهذه الأصول،

وبعض الناس يظن أن الكتب من الممكن أن تُغنيَه عن التعلم والسؤال، فيجمع الكتب لكي يفتي نفسه بنفسه دون تعلُّمٍ، ودون أن يرجع إلى أهل العلم المعتبرين فيما يقع له من أمور لم يتعلمها على أصولها.

ومن هذه السلبيات:

- تحوُّل شراءِ الكتب الشرعية إلى ديكور اجتماعي تُزيَّن به المكتبات، دون رغبة حقيقية في التعلم.

وليس معنى هذا المنع من شراء الكتب إلا لمن شرع في دراستها، ولكن ينبغي أن يكون الشراءُ مقرونا بالرغبة في دراسة الكتاب، أو العلمِ بالحاجة إليه في المستقبل للدراسة المنتظمة، أو للبحث فيه إذا كان ممن يصلُح لذلك، ولا بأس أن يكَوِّنَ الأبُ لأولاده مكتبة كبيرة على أن يزرع فيهم معها حب العلم.

- ومنها: الرغبة في الإغراب لدى المؤلفين والناشرين والقارئين.

مما جعل بضاعة زائفة كتلك الكتب التي تتنبأ بموعد بعض الغيبيات تنتشر انتشار النار في الهشيم، بل إن بعض المؤلفين يكتب في بعض الأمور التي يُقبِل عليها العامةُ معتمدا على الغريب لا على الصحيح، كما تجد ذلك في كثير من الكتابات التي تتكلم عن عذاب القبر وغيره معتمدة على الروايات الضعيفة لغرابتها، مع إعراضها عن الصحيح الثابت؛ مما أعطى الفرصة للعلمانيين لكي يهاجموا أصل هذه العقائد مع ثبوتها.

- ومنها: أن الناشرين أرادوا أن يستثمروا رواج الكتاب الإسلامي في ترويج غيره.

ولهذا صُوَرٌ: من أهونها أن تجد الجناح الإسلامي وقد ضم كتبا من عينة "أشهى المأكولات" و"أحلى الحلويات"، ووجود هذه النوعية من الكتب بجوار الكتب الإسلامية غير لائق، ولكن الأخطر من ذلك أن يُضاف وصفُ الإسلامي إلى هذه الكتب, وهذا يشمل قائمة طويلة من "الطب الإسلامي" إلى "الجنس الإسلامي"، ومعظم هذه الكتب تأخذ توجيهًا شرعيًّا عاما، ثم تضيف إليه عشرة أمثاله من كلام المؤلف وعلومه وخبراته التي لا علاقة لها بالشرع، والتي تصيب حيناً وتخطئ أحيانا، ثم يوسم الكتاب برمته بأنه يتكلم عن الطب الإسلامي أو عن غير ذلك من فروع المعرفة الإسلامية.

ألا فليعلم الجميع أن اقتناءَ الكتب وسيلةٌ، وأن الغاية هي طلب العلم، وأن على كل واحد أن يضع لنفسه قدرا مُستهدَفا من العلم، أو -إن شاء- الثقافة الإسلامية، على أن تكون جادة منظمة مبنية على أصولها، وأن شراء الكتب ينبغي أن يخدم هذه الغاية.

والأهم من ذلك كله:

أن يعلم كل مُشْتَرٍ أن شراءَه للكتاب لا يساوي أنه قد قرأه، وقراءَته إياه لا تعني أنه قد درسه، ودراسته لا تعني أنه قد فهمه، وفهمه لا يعني أنه قد عمل بما فيه، وأن كل ذلك في حاجة إلى الدعاء والإخلاص حتى يُتَقبَّل.

مقال للشيخ عبد المنعم الشحات من موقع صوت السلف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير