أرشيف ملتقى أهل الحديث - 5

ومع هذا وذاك، فإن البعض قد أعذر إلى الله وقام بما رآه واجبا، ومن هؤلاء الأستاذة كريمة زكي مبارك، فهي تقول" إنها وبعد أن كبرت لم تجد أحدا قد اهتم بمكتبة والدها، وكادت أن تضيع هباءً، فعملت على أن تجمعها من دور الكتب والمكتبات والأصدقاء، حتى استطاعت أن تجمع شتاتها من تفرق، وإن كانت قد واجهت مشكلة أخرى، وهي من يقبل أن يحافظ على هذا التراث، والذي قامت بطباعة بعضه، ولا يزال منه الكثير".

أما الأستاذة فايزة أنور الجندي فقد بذلت الكثير والكثير من أجل تنفيذ وصية والدها (رحمه الله) وكم جهدت واجتهدت حتى تحافظ على تراث أبيها، حيث عملت على الحفاظ على مكتبته من أول يوم، ثم سعت إلى تنسيقها وترتيبها، وهي الآن تعمل على إخراجها في ثوب قشيب في نفس منزل أبيها كمكتبة عامة حتى يعم ما فيها من خير على الجميع

أما عندما توجهت إلى سور الأزبكية (مكان لبيع الكتب على الرصيف في القاهرة) فوجدت كتابا غير موجودة في أي مكان آخر، وأحد زملائنا الباحثين كان يعد رسالة الماجستير في تفسير من التفاسير فلم يجد تلك الرسالة إلا في هذا المكان، وعندما سألت البعض عن مصدر هذه الثروة القيمة، قال الحاج عبد الله أحمد أحد الباعة هناك: مصدرها أن بعض الأبناء بعد موت والدهم، يأتي إلينا لنشتري مكتبة أبيه كاملة، وخاصة لو كان الأبناء في تخصصات بعيدة عن تخصص أبيهم، وعن الكتب الجديد التي لم تمس من قبل، قال: هذه تأتي لنا عندما تريد مكتبة أو دار نشر ما أن تصفي ما لديها من كتب فنأخذها منها بالجملة، وبالطبع بأسعار زهيدة.

وهناك من يريح نفسه من البداية، حيث يقوم ببيع هذا التراث لثري من الأثرياء، حيث يعتبره إرثا متروكا ضمن ثروة أبيه، يحق له أن ينتفع منها كأي متاع متروك، وهذا كله في مصر.

وكل من يحجم عن إهداء مكتبة أبيه إلى مكتبة عامة، يتعلل بأن هذه المكتبات تهمل في الكتب، ولا تحفظها أو لا تحافظ عليها، كما أن المكتبات لا تراعي خصوصية هذه المكتبات بإدراجها داخل المكتبة العامة، وفي ذلك ضياع بعض حق العالم حيث من حقه أن تحفظ مكتبته وجهد حياته باسمه، وهو ما لا يحدث في كثير من المكتبات، وهو ما سوف نناقشه في دور الهيئات.

وفي السودان:

وكما جاء في موقع مجلة البيان على الإنترنت، في مقال يتحدث عن الكتب التي تباع على الأرصفة وفي الشوارع: " أغلب هذه الكتب النادرة مصدرها الأسر السودانية العريقة التي بدأت في التخلص من مكتبات خاصة ورثتها عن الآباء والأجداد، وذلك في ظل الحوجة والعوز والفقر, فالظاهرة إنذار مبكر وناقوس خطر في مسيرة الأمة السودانية ".

وفي المغرب:

يقول الأستاذ محمد بنيس وكما جاء في مقالة له في جريدة الحياة اللندنية:" أبناء نخبة الجيل السابق أصبحوا مُحرجين من المكتبات التي تركها آباؤهم، ولم يرد أحدٌ من الأبناء أن تكون من حصة الإرث. هي عبء. بدون قيمة أو فائدة. في أحيان, وجدت عائلات لا تعرف كيف تتخلص من مكتبات الآباء فتلقي بها في القبو أو تلمها في أكياس الخيش بانتظار من يخلصهم منها. كنت انظر إلى الأكياس وأنا لا أعلم عناوين الكتب. أتخيلها. أتخيل من خلالها تاريخاً ثقافياً وتاريخاً للمكتبات الموجودة في البيوت وتاريخاً لحضارة ولرؤية للذات وللعالم".

وفي السعودية:

أحد مركز الثراء نجد أيضا من يضيق بالمكتبات ذرعا، وللأسف لنفس السبب ولكن بشكل آخر، فيقول إبراهيم صقر الحسن و صالح علي السليم في مقال لهما عن المكتبات الأهلية القديمة في الإحساء: " كان الحديث الذي أوجزنا سطورنا من خلاله نبذة عن أثر المكتبات العلمي والأدبي في القديم. أما عن الوقت الحاضر أو الحديث فكل ما يمكن قوله إن الاهتمام من قبل الناس في هذه المنطقة قد تقلص عما كان عليه في تلك الفترة، وتقلصت بالتالي عدد المكتبات عما كانت عليه قديماً أيضاً. وأصبحت النظرة الاجتماعية للحياة نظرة مادية بعد أن كانت العقول تبحث عن العلم في أماكنه الصعبة .. وطغت الأعمال التجارية والإنشائية على معظم الأهالي حتى إن بعضهم انصرف انصرافاً تاماً عن العلم ودراسته".

¥