د. شوارد أديبا شاعرا
لعل هذه الشاردة متبوعة بشاردة أخرى من شوارد د. شوارد، ولعل د. شوارد يصوب نقدي الانطباعي فهو ليس أكثر من وجهة نظر فردية
ـ[د. عليّ الحارثي]ــــــــ[14 - 01 - 2008, 12:18 ص]ـ
لك أن تفخر بهذ الشاردة أستاذنا
هيج الله قرائح المبدعين:)
و لها الفخر أن يمرّ بها مَن يرى أنها ممّا يُفتخر به!
ـ[د. عليّ الحارثي]ــــــــ[14 - 01 - 2008, 01:47 ص]ـ
أيتها الملهمة!
أعيدي الليل شعرا، أعيدي الفتنة بكرا
جاءت الدال في أعيدي هامسة غير مدوية، وترنمت بالتحجيل متغنية متأنية.
ما سر هذا الليل؟
وأي مزيد هذا؟
تباينت اتجاهات الفكرة واستشكل الصوب، فعبارة " هذا الليل " تحتاج إلى قرينة تميز هذا الليل عن غيره.
هذا المطلع الجميل أقلقه عموم معنى العجز فأنقص من عذوبة إيقاعه، هذه العذوبة الإيقاعية في رباعية امتداد الياء صدرا (عي في أعيدِلْ، تي في ملهمتي، عي و دي في أعيدي الثانية)، وثلاثية امتدادها عجزا (ري في يغري، زي ودي في مزيد)، فضلا عن رباعية اللام الساكنة (لْ في أعيدي الليل، ملْ في ملهمتي، ذلْ في هذا الليل، بلْ في بالمزيد).
إن غنائية هذا المطلع تقول بملء الفم: إننا أمام شاعر مُحَكَّكُ السبك، مُرَصَّعُ الديباجة، مُسْتَعْذبُ الإيقاع.
"فتنة الأشياء بكرا"
أتوقف هنيهة استشراف أمام معنى الفتنة البكر متفقا مع الشاعر في سحر خيوط إشراق الافتنان جديدا، فأول لحظات الافتنان بالشيء الفاتن أجمل من كل لحظات استعادة ذلك الافتنان تكرارا، بيد أني أعيب دائما اطلاب هذه الفتنة البكر لأنها تلوع ذلك الطالب، فأشياؤنا الفاتنة لن تظل بكرا، وأشياؤنا الفاتنة قد لا تكون بكرا، فلماذا ندجج لحظة الفتنة الأولى أنانية تصفد لحظتها التالية، أحرى بأن يظل الشيء الفاتن طليقا من إسار الوطر.
مرة أخرى يتعجل شاعرنا في التساهل في قبول عجز بيته الشعري دون اعتناء شديد في ترابط المعنى بين الصدر والعجز، فلفظة " الحر " قد لا تكون هي الأنسب للتولع بالجديد، وقد تكون " المرء " أو " النفس " أنسب منها، هذا من جهة الدارج، أما من جهة المعنى المراد فقد يكون اختيار الشاعر للفظة الحر أنسب لأنه يودعها ما في نفسه حول معنى الحرية التي لا يريدها مألوفة عادية.
لله در الشعراء مبالغة و خيالا، عندما يصبح الرضا ببلوغ المجد استسلاما، و عندما يتفاضل المجد فلا يكون التفرد إلا في بلوغ ما " فوق المجد ".
ملاحظات على القصيدة:
1. وردت قافية " الجديد " في القصيدة ثلاث مرات ووردت في لفظة " الجديد " في صدر البيت الأخير وصدر البيت قبل الأخير، وهذا الورود رغم تساهل العروضيين في جواز تكرار القافية بعد سبعة أبيات على الأقل فإنه في قصيدة من عشرين بيتا أضعف من رنة القافية ذهنا وأذنا، فضلا عن ورود قافية " العنيد " مرتين.
2. تكرار صدر " ورمل مثل أوراك العذارى " لم يحقق المأمول من وظيفة التكرار كما حققه المهلل في " قربا مربط النعامة مني "؛ فتكرار المهلهل كان حسيا مباشرا توهج غضبا آمرا أوقدته العاطفة الهادرة، أما التكرار هنا فقد جاء تخيلا لاهثا وراء فكرة نافرة.
أما تخريج الشاعر في تفسير ذلك التكرار بأنه الإلحاح في طلب المجهول البكر, وتكرار المغامرة في سبيله، فهو تخريج جميل، بيد أن ذلك الإلحاح لم يكن مقنعا فأسرار مجهولية ذلك البعيد القريب المغازل بالتمني العسجدي بقيت أسرارا فكأننا أمام أحجية تقمقمت غموضا.
قد لا أكون ضليعا في السورالية الهائمة فرحتُ أخفق في فهم المراد هنا.
3. الغريب أن الشاعر مولع بالجديد ولكنه يطلب من ملهمته أن تعيد، والشاعر يغريه المزيد من الجديد ولكنه يعيد " ورمل مثل أوراك العذارى " ثم يعيد، ثم يعيد. والشاعر يعيد قديم المتنبي فيقتبس:
وطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
لولا ضرورة القافية في تغيير عظيم إلى مجيد.
كما أتوقف عند العنوان " ليلة القبض على شاردة " مستذكرا عنوان المسلسل المعروف " ليلة القبض على فاطمة "، فإذا بالشاعر مولع بالقديم لا الجديد.
4. لقد أقحم الشاعر في قصيدته اعتزازه الشعري البارع، وإن كان عنوانها قصيدة شاردة، فهي تشرد في البلاد قاطعة المراقب والبيد، وهي قافية ينال بها الثريا، و يرويها لبيد عن لبيد، كما أقحم حكمته الثاقبة
ذلك أن فكرة القصيدة مرتكزة على اطلاب الجديد، والجديد ليس في ازدحام الحكمة، هذه الحكمة التي جاءت لتقول معادا مكررا: بيت القصيد، الصيد الطريد، والجديد ليس في احتدام الاعتزاز الشعري، الذي جاء ليقول معادا مكررا: تسير، تشرد، تنال الثريا، تقطع البيد.
نهاية أعيد: إننا أمام شاعر مُحَكَّكُ السبك، مُرَصَّعُ الديباجة، مُسْتَعْذبُ الإيقاع.
د. شوارد أديبا شاعرا
لعل هذه الشاردة متبوعة بشاردة أخرى من شوارد د. شوارد، ولعل د. شوارد يصوب نقدي الانطباعي فهو ليس أكثر من وجهة نظر فردية
هذا الإبداع النقدي الرشيق العميق, من شاعر مبدع متمكّن ـ يزيدك يقينًا بأنّ مفاتيح النص هي أكثر جرأة على الفتح الإبداعي حين تكون بيدِ شاعرٍ؛ و أنّك ـ وإنْ كنتَ لا تستطيع الجزم بأنها ستفضي بك في كلّ وَلْجةٍ إلى بيت شعر الشاعر ـ ستَلِجُ منها إلى بيتٍ آخر خبأته اللغة في صدرها لأمراء الكلام!
محمد الجهالين الأديب الشاعر الناقد الملهم:
أصغيتُ إلى هذا الإلهام البديع, وأعدتُّ الإصغاء ـ وما زلتُ أُعيد وأستعيد!
ولكن أُراني: لو أخّرتُ فتحي ـ إن كان لصاحب البيت أن يفتح! ـ لكان أدعى إلى أن يكون البيتُ مفتوحًا للفاتحين!
¥