مذ تلبّسني شيطان الشعر (أو ما أحسبه شعراً) وأنا لا ألقي للعروض بالاً، بل أزن الشعر بميزان خفي أجده داخل دهاليز النفس لا أعلم كنهه ولا أحيط به علماً، حتى إذا جلستُ مع المتحلقين حول الخليل، عببتُ ذلك العلم عباً وشغفت به نفسي حباً؛ فكنت أزن بمفاعيل الخليل ما سبق وما لحق من هذيانٍ تسول لي نفسي أنه شعر؛ فأجد الميزان قد استوى،وأحمد الله أننا لم نغضب الخليل ولم نخلّ بعلمه.
حتى وسوستْ لي نفسي بهذه القصيدة التي جرت على ميزاني القديم، فقبلها ولم يرفضها، ورحت أترنم بها فما مجّها اللسان ولا رفضتها الأذن. فقلتُ لنفسي: هلمي إلى الخليل نعرضْ عليه بضاعتنا؛ فما راعني إلا إعراضه عني، وعبوسه في وجهي، فخرجت تتبعني قصيدتي تجر خيبتها. واتخذتُ مكاناً قصياً وأحدَدْتُ النظر في قصيدتي فماذا وجدت؟
وجدت يا أستاذي أن أقرب الأبحر لقصيدتي بحر (المتدارك) أو (الخبب) والذي يجري هكذا:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن (مرتين)
ولا يخفاكم أنه يجوز في (فاعلن) أن تصبح (فاعلْ) أي (فعْلن)، كما يصح أن تكون (فعِلن)، ومثاله قصيدة الحصري القيرواني (مضناك جفاه مرقده) وغيرها كثير.
أما قصيدتي فوجدتُ فيها تفعيلة غريبة وهي (فاعلُ) بدلاً من (فاعلن)، ومثاله ما ورد في الشطر الثاني من البيت الثالث:
هذا: فعْلن
أمرٌ: فعْلن
لا يُتَ: فاعلُ
صوّر: فعْلن
ولكن بالله قل لي، لو ترنّمتَ بهذا الشطر هكذا:
فعْلن فعْلن فاعلُ فعْلن
أما تتقبل موسيقاه؟
وكذلك في بقية القصيدة ستجد (فاعلُ) كثيراً، وقد وجدتها مقبولة في الموسيقى؛ ولكن!!!
هل تقبلونها يا معشر العروضيين؟!
هل يجوز أن تصبح (فاعلن) في المتدارك (فاعلُ)؟
وهل لهذا أصل؟!
أجيبوني بارك الله فيكم.
أما ما تفضلتَ به يا أستاذي من أن ضمير الغائبة قد تحول إلى ضمير المتكلمين؛ فلعلك لم تلحظ أن الخطاب قد تغير في الشطر الثاني من البيت التاسع، إذ أصبحت الألحاظ هي المتكلمة ابتداءً من قولها (احذرْ) ثم تواصل الخطاب: احذر فقتلانا من قبل ألوفٌ ونحن نجهل الرحمة ونحن طغاة نتجبر.
أستاذي الكريم - ووالله إنك لكريم - اسمح لي أن أقف لك احتراماً وشكراً، فقد بذلتَ في قراءة نصي الهزيل وقتاً ثميناً، وقرأْتَهُ بتؤدة، ولم أكن أحلم بأن تعيره هذا الاهتمام؛ ولكنه الكرم، إذ أبيتَ أن تترك هذا المستشعر سادراً في غيّه دون أن تدق على نوافذه أنِ استيقظ وارجع البصر لترى الفطور في سماء ما كتبت، ثم ارجع البصر كرتين تعلمْ أي خللٍ ارتكبت.
حتى تتكرموا بإغاثة تلميذكم؛ تقبلوا منه جزيل الشكر وجميل العرفان، ودمتم بخير ...
ـ[سامح]ــــــــ[28 - 04 - 2005, 11:03 م]ـ
عروضيٌّ مُتَطَفِلٌ .. :)
يدخلها (فاعلن) في المتدارك الإضمار بعد الخبن فتصير (فَعْلُن)
ومنه مايستشهد به العروضيون:
قول علي -رضي الله عنه - في تأويل دقة ناقوس حين مر براهب
وهو يضربه , فقال لجابر بن عبدالله: أتدري مايقول هذا الناقوس؟
فقال: الله ورسوله أعلم قال هو يقول:
حقاً حقاً حقاً حقاً .. صدقاً صدقاً صدقاً (صدقا)
إن الدنيا قد غرتنا .. واستهوتنا واستلهتنا
لسنا ندري ماقدَّمنا .. إلا أنَّا قد فرطنا
ياابن الدنيا مهلاً مهلا .. زِن مايأتي وزناً وزنا
أتذكر أننا كنا نغينيها مع أستاذنا الدكتور محمد المشد حفظه الله
حين كنا ندرس (المتدارك) الذي كان من أمتع البحور
وأخفها .. حتى إن تلك الكلمات رصت على نغمه.
والأصل في العروض أن يُقطع الأبيات سماعياً
وأذكر أن الأساتذة تعرضوا لهذا هناك في العروض.
محبتي للجميع
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[المهندس]ــــــــ[29 - 04 - 2005, 12:09 ص]ـ
هذا الطائي ما أبدعهُ = إن في شعرٍ أو إن ينثِرْ
شعرُ الطائي نهرٌ عذبٌ = دررًا يلقي إذ ما يُشعرْ
بحرًا صعبُا يدعى خببُا = ما أنغمهُ هو كالمُسْكِرْ
فعْلُنْ فعْلُنْ فعْلُنْ فعْلُنْ = فعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ فعِلُنْ
أسكن عينا أو حرّكها = ما من كسرٍ، يبقى يُبهر
أسكن نونًًا هذا أسلم = من حركها يرجو الأيسر
"قتلَتْ" صارت "إنّا نقتل" = ما أجمله إن لم تَشْعُر
أستاذي المبدع / الطائي
¥