[قلم كظيم .. (نمط آخر)!]
ـ[وجدان العلي]ــــــــ[07 - 05 - 2005, 04:55 م]ـ
القلمُ انسابَ في دفاتِرِهِ
فَغَرَّدَتْ في الضُّلوع أشعارُ
تَنْزِعُ عن خاطري غِلَالَتَهُ
أجْهَدَهُ باطِلٌ .. وأسْمَارُ .. !
وآلَمَتْهُ الظنونُ .. سافِرَةً
تُخَاتِلُ الغيبَ .. ضَلَّ إبصارُ!
وآلَمَتْهُ الحروفُ عابِثَةً
تَؤُزُّها عُجْمَةٌ لها ثَارُ!
حداثةٌ؟!! أحرفٌ مُمَزَّقةٌ
نَديمُها كاهِنٌ .. وخمَّارُ!
يَؤُمُّهَا في الظَّلَامِ أغْرِبَةٌ
صَلَاتُهَا الرَّمزُ .. خلفه طاروا!!
اللُّغةُ الآنَ في دفاتِرِهِمْ
مَقَابرٌ ما لهنَّ زوارُ!!
طِلَّسْمُها غَائِرٌ .. وغايَتُها:
لاشيءَ .. ! إلا الضجيجُ والزَّارُ!!
أَبَعْدَ نَارِ (الكَليمِ) تُرْشِدنا
إلى رِحَابِ المغيبِ عَشْتَارُ؟!!
ونَسْتقي الفنَّ من دجاجلةٍ
تَرَاقَصَتْ من مُكَائِها نارُ؟!!
فكيف ضل الأقوامُ؟!! ويْحَهُمو!!
أبَعْدَ عِزِّ السجودِ زُنَّارُ؟!!
تَرَنَّحَتْ في الدروبِ أسئلتي
وزَمْزَمَتْ في الضُّلوع أسْرارُ
وغادرتني الآلامُ .. يقذفُ بِي
إلى خريفِ الآلَامِ إعْصَارُ!
فَأُمَّتِي اليومَ بَسمةٌ هَربتْ
من شَفَةِ الدَّهْرِ .. ما لَهَا دارُ!
يقودُها ناسِكٌ .. ضَرَاعَتُهُ
لغيرِ رَبِّ الوجودِ تَنْهَارُ!!
يبيعُ أحْلَامَنَا بِلَا ثَمَنٍ
ويشتري المَجْدَ كُلُّه عَارُ!!
ويَرْتَضِي الذُّلَّ .. بَعضَ مِهنتِهِ!
وبَعْضُها: راقِصٌ وزَمَّار!!
...
أَوَّاهُ يا شعرُ .. ! دَمْعَتِي انتَفَضَتْ
لكنَّها في الجُفون إصْرَارُ
نشيجُها الفذُّ بَوْحُ مَلْحَمَتِي
وإن بَدَتْ في الدُّرُوبِ أخطارُ!
لا يَحْبِسُ الضَّوْءَ ظلمةٌ مَرَدَتْ
ولا تُميتُ الأرواحَ أسوارُ
ـ[الطائي]ــــــــ[11 - 05 - 2005, 05:39 ص]ـ
دلفتُ إلى القصيدة أحسبها مثلَ ما نزجي به الوقت من ترانيمنا الطفولية، فإذا بي أمام قامةٍ شاهقة، فَسَطَتْ عليَّ الرهبة وعدتُ ادراجي.
ها أنا أعود بكلّ إكبار لا لأقرأ بل لأستمتع.
لم أستطع منع الأثر الطاغي للقصيدة على مشاعري، فكانت هذه المحاولة للاستقراء:
لغةٌ راقية تصل بك حدّ الذهول، فكرٌ نيِّر، نسيج وسَبْك غاية في الإتقان؛ إذاً فلسنا أمام قصيدة تلبس ثياب العامّة، بل هي متوّجةٌ بالتفرّد.
الفكرة العامة - حسب فهمي الذي ما زالت تسيطر عليه بقايا ارتياع -: نظرةٌ متعالية من الشاعر نحو أرباب الفكر المنحرف من رموز الحداثة. نظرة شاملة لأحوال الأمة واعتبار ظاهرة الحداثة إحدى علامات الانهيار الكلي. أسف وحزن عميق، ثم اعتزاز بالنفس والثقة بالمبدأ.
محاولة إبحار:
تسيطر الشاعرية الفذة على النص، فلا يكاد يخلو بيت من صور بديعة ألبسها الشاعر تألقاً، لننظرْ:
- تنزع عن خاطري (غلالته): مفردة عذبه جاءت في مكانها تماماً.
- اللغة الآن في دفاترهم ... مقابرٌ ما لهن زوار: صورة محكمة تعيش معها الواقع، فأين رطانتهم وأحاجيهم الآن، هنّ والله مقابر لا يزورها أحد إلا ليبصق عليها (أجلكم الله). كان الشاعر هنا موفقاً في التشبيه حدّ الكمال.
- طلسمها غائر وغايتها ... لا شئ إلا الضجيج والعارُ: لا يقل الشاعر توفيقاً عن البيت السابق، فماذا يقول القوم غير ضجيج أشبه بحفلات الزار الهمجية.
-أبعد نار الكليم ترشدنا ... إلى رحاب المغيب عشتار: هنا الشاعر يلبس ثياب الفلاسفة، وينظر بعمق إلى أصل الإشكالية، انبهار هؤلاء الأقزام بحضارة الغرب بل حتى بأساطيرهم، وهم أهل حضارة سماوية. الصورة الفنية لم تغب، فالتشبيه هنا في الصميم.
- ترنحت في الدروب أسئلتي ... وزمزمت في الضلوع أسرار: لابد أن تسيطر الشاعرية على الشاعر مهما حاول الابتعاد، الأسئلة تترنح في الدروب، والأسرار تزمزم في الضلوع!! هذا من أجمل ما قرأت.
- فأمتي اليوم بسمة هربت ... من شفة الدهر ما لها دار: منذ بداية النص وأنا أحث الخطى سعياً إلى هذا البيت، أية روعة أدبية تتجلى هنا: الأمة بسمة كانت على شفة الدهر ثم اختفت، ولم تجد لها داراً!!
- يقودها ناسكٌ ضراعته ... لغير رب الوجود تنهار
يبيع أحلامنا بلا ثمن ... ويشتري المجد كله عارُ
ويرتضي الذل بعض مهنته ... وبعضها راقصٌ ومزمار
إلقاء باللائمة على الذئاب التي تلبس لنا جلود الضأن، نقد لاذع للوصوليين المتسلقين باسم الدين.
- أواه يا شعر دمعتي انتفضت ... لكنها في الجفون إصرار: لحظة من الضعف المتمثل في البكاء بدموع لم تنحدر بل انتفضت!! ثم استجماع لرباطة الجأش و إلباس الدموع صفة الإصرار بتناغم تام مع مفردة (انتفضت).
-ختام رائع للنص باستشراف المستقبل، والثقة بالمبدأ، فالضوء لا يُحبس كما أن الأرواح لا تعترف بالحدود.
النص أيها السادة ذو ثراء فاحش، وشاعرية باذخة، وفلسفة متقنة، ونظرة كاشفة، يتوّج كل ذلك بالصدق الذي ينعشك رذاذه إبان إبحارك في هذه التحفة الفنية.
أستاذي / وجدان
هل تسمح لي بالتطاول قليلاً لأبدي بعض الملحوظات؟!
- في البيت السابع، كلمة (الآن) معبرة عن المعنى لا شك في ذلك، ولكني أحسها تقلل من شاعرية النص. لا أدري!!!
-مفردة (أسرار) في البيت الثاني عشر، وددتُ لو كانت من مرادفات (أسئلة)، فقد ترنحت في دروبك الأسئلة وزمزمت التساؤلات أو الاندهاشات في ضلوعك. أحس أني تطاولت إلى خصوصية الشاعر هنا. لا أدري!!!
ما يزال في النص الكثير، فنصوص كهذه، لا تُستكنه إلا بعد حين ...
سأظل محدقاً في النص ومعي لوحي ودواتي وريشتي، لعلي أتعلم.
لك الشكر على إمتاعنا أيها الشاعر المتقن ...
همسة: ليتك تستخدم منسق الشعر حتى نستمتع كلما تفيأنا ظلالك ...
دمت بخير ...
¥