تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غرباء ..

ـ[أنشودة المطر]ــــــــ[26 - 07 - 2005, 03:30 ص]ـ

غرباء

نشأت وتزوجت هناك ... ومازالت معرفتي بديني لا تتجاوز التمسك ببعض العادات و التقاليد الموروثة ... أما صلاتي وحجابي فلم أكن أفقه منهما إلا كما يفقه الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره .. إلى أن التقيت بسيدة فرنسية مسلمة ... لم توبخني لكوني عربية مسلمة لا أدين للإسلام إلا باسمه ... بل غيرت مجرى حياتي وحياة زوجي ... تسربلنا بالإسلام حتى أصبحنا نغير على حرمة الله عندما تنتهك بعد أن كنا نمر عليها مر السحاب.!

ثلاثون عاماً قضيتها على أرض" فرنسا" التي لا تعرف الإسلام إلا سلاحاً يهدد بنيانها .. ولا تعرف العربية إلا لغة لأقوام متمردين.!

كانت هذه الأعوام كفيلة بأن تحرك براكين الشوق الخامدة في داخلي للعودة إلى وطني ... أخذت أتذكر طفولتي الغضة وقريباتي اللواتي كن يلعبن معي أمام منزلنا المطل على مزرعة جدي ... رغم الفقر المدقع الذي كنا نعيش فيه إلا أنني كنت أشعر بسعادة غامرة ... كنا لا نرتدي إلا إزاراً واحداً ونشرب من قدح واحد .. وحياتنا كلها يجمعها هم واحد ..

لكن القدر خطفني دون أن أودع وطني لترحل أسرتي إلى حيث المأوى و الملاذ الآمن من شر الفقر الذي اجتاحنا بلا هوادة.

وفجأة ... وإذ بزوجي يدفع الباب بأقصى ما أوتي من بأس وقوة وهو يردد بنبرة الغاضب الثائر:

- إنا لله و إنا إليه راجعون ... إنا لله و إنا إليه راجعون ..

اعتدلت في جلستي , وقد انتفض قلبي من الروع.!

- لا حول و لا قوة إلا بالله ... ماذا حدث؟!

- انظري ماذا تقول الصحيفة .. جماعات التبشير بدأت تبث سمومها في قرانا المسلمة؟!

- ماذا؟ وهل وصلوا إليها؟!

- ليس بغريب على دعاة النصرانية أن يصلوا حتى لجحور الأفاعي و ينصرونها .. !

قلت بهدوء مطمئن نوعاً ما:

- قرية أهلك بعيدة عن هذه القرى يا "سعيد" أليس كذلك؟!

- ومن يضمن لي أنهم لن يصلوا إليها ... إلى متى سنظل مكتوفي الأيدي؟!

ثم وضع يده على رأسه كأنه يسترجع .. وقال:

- إنهم أنذال ... إنهم أنذال

وقام ورمى بالصحيفة على منضدة كانت بالقرب منه .. !

كنت لا أقل عنه اضطراباً وثورة وحرقة ... لكني أضرمت ذلك كله في داخلي حتى لا يؤثر ذلك على صحته ... زاد هذا الأمر من إصراري على أن أفتح أمام زوجي أمر الرحيل إلى وطننا ..

تبعته لكي أهدئ من روعه ... وما إن خرجت من غرفتي حتى سمعت صوت الباب الخارجي يغلق ... علمت حينها أنه وصل إلى درجة من الغضب لا تحتملها حالته الصحية المضطربة.

ما هي إلا ساعات حتى سمعت جرس الباب يقرع ..

- من؟

وإذ بصوت فرنسي ناعم خلت أنها زميلة له في العمل ..

أسرعت بارتداء خماري ثم فتحت الباب .. وإذ بامرأة شقراء بلباس رجال الأمن المركزي في حيِّنا ... مدت يدها تصافحني ثم قالت بلهجتها ..

- سيدتي .. زوجك في مستشفى الصحة بجوار مركز الأمن العام ... وهذا العنوان.

ثم مدت إليَّ بورقة صغيرة.

ظننت أن الأمر مجرد ضيق تنفس يعتريه دائما ... وكثيراً ما يعود المستشفى ... ارتديت ملابسي على عجالة من أمري ووصلت في غضون دقائق ..

أخذت أبحث عن الغرفة المدونة على الورقة التي أخذتها من سيدة الأمن ... لكن دون جدوى ... تشبثت بأقرب ممرضة كانت قريبة مني أن تساعدني ... أخذت الورقة مني ... وما إن قرأتها حتى قالت بنبرة فهمت مغزاها .. :

- لقد نقل إلى المشفى العام.!

زادت ضربات قلبي ... و بكيت كما لم أبكِ من قبل.

وصلت إلى هناك ... واستقبلني الطبيب – وقد كان فرنسياً مسلما- عند غرفة العناية المركزة وكان مطرقاً رأسه في حُزن بالغ ... رجوته أن يطمئنني ... فجرحني بالحقيقة ..

- سيدتي .. أحسن الله عزائك في زوجك.!

ومدَّ إليَّ بورقة صفراء ملفوفة بعناية.

سرت في نفسي قشعريرة غريبة ... لم أشعر بنفسي بعدها إلا بإبرة مهدئ تُغرس في جسمي المنهك ...

فتحت عيني وإذ بممرضة سمراء البشرة كسمرتي تماما تقف بجانبي ... تربت على كتفي ... ارتحت لها كثيراً ..

رجوتها أن تدعني أرى زوجي ... أومأت إليَّ بالموافقة .. ثم أخذت بيدي وسارت بي في ممرات خلتها خنادق موحشة ... وقد كانت ..

انتهت بنا الممرات إلى غرفة مليئة بثلاجات الموتى ... أخرجتْ زوجي وكشفت الغطاء عن وجهه ... لم أستطع إلا أن ارتميت عليه وبدأت شهقاتي تعلو ... سحبتني الممرضة وهي تنهرني أن ذلك قد يسبب خطر على صحتي ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير