تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أتريد أن آتيك من كلامهم ما تُمتحن به في دينك؟، فإن قبلت أُفحمت، وإن رفضت زللت وضللت وخالفت هذه العقيدة التي تدعي موافقتها لعقيدتك!.

فهذه العقيدة تنقض عقيدة أهل التعطيل والتأويل والتجهيل من أصولها، ولهذا ضاق عطنكم بها، والله المستعان.

? أما إن كان هذا التشكيك [للطعن في المؤلف]، فمن يكون منهما فكلاهما صاحب سنة وفضل وزهد، ولا يضر بالعقيدة جرح من جُرح منهما، فلم يجرح أحدٌ منهما في عقيدته كما سيأتي إيضاحه.

أما البربهاري أبو محمد الحسن بن علي بن خلف [ت: 329هـ] – رحمه الله تعالى – فهو إمامٌ في المعتقد والرواية، ولم يُغمز في عقيدته بشيء، ولا في روايته.

ولا يغمز في دين البربهاري إلا فاسد الدين، منحرف العقيدة.

قال الذهبي في " العبر " [1/ 129]: (الفقيه القدوة، شيخ الحنابلة بالعراق، قالاً وحالاً وحلالاً، وكان له صيت عظيم، وحرمة تامة).

وقال الحافظ ابن كثير [11/ 213]: (العالم الزاهد، الفقيه الحنبلي، الواعظ ... وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي، وكان كبير القدر تعظمه الخاصة والعامة).

ولعلو منزلته، وصدق عقيدته، وشهرته بذلك في عصره وبعد عصره جُعل محنة يميز بمحبته بين صاحب السنة وصاحب البدعة، ففي " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي [12/ 66] قال: (أبو عبد الله بن بطة الفقيه إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهاري فاعلم انه صاحب سنة).

أما مسألة الإقعاد على العرش التي يعيّر الأزهري وشيعته الإمام البربهاري - رحمه الله – بها، فلا تثريب على البربهاري في ذلك، ولا تضره في عقيدته، بل ولا يستنكرها صاحب سنة، وإنما يستنكرها من لا يؤمن بعلو الله تعالى من الجهمية المعطلة أمثال هذا الأزهري.

فهي مسألة مقررة عند أهل العلم، محررة في كتب العقائد والتفسير، قال بهذا القول قبله جملة من أهل العلم، وهو قول معتبرٌ عندهم، كما قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى [ت: 310هـ] في "تفسيره" وهو عصري البربهاري: (وهذا وإن كان هو الصحيح – يعني تفسير المقام المحمود بالشفاعة - من القول في تأويل قوله: (عَسَى أنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقاما مَحْمُودا) [الإسراء: 79] لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر).

وقال القرطبي في " تفسيره " (وروي عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل).

ويقول: (وليس إقعاده محمدا على العرش موجبا له صفة الربوبية أو مخرجا له عن صفة العبودية، بل هو رفع لمحله وتشريف له على خلقه).

والمقصود أن هذه القول لا يوجب عظيم النكير الذي تبناه الجهمية ضد الإمام البربهاري في عصره، وبعد عصره، فهو قول مروي عند أهل العلم بالتفسير معتبر بين أقوال العلماء لا يوجب تضليلاً ولا تبديعاً على فرض القول بخطئه.

أما ما نقله الأزهري من " الكامل " لابن الأثير إنما لأنه يوافق هواه، وكلٌ على شاكلته يقع، ولم يذكر هذا أحدٌ قبل ابن الأثير – فيما أعلم -، وعنده ما عنده من الخلل في موقفه من أهل السنة وعقيدتهم.

مع أن أمر المحنة مشهور، وقد ذكرها ابن الجوزي [ت: 597هـ] في " المنتظم " وهو يروي عن البربهاري بواسطة واحدة، ولم يذكر ما ذكره ابن الأثير.

وقد نقل بعض هذه القصة الذهبي في " التاريخ الكبير " [5/ 434] وذكرها بصيغة التمريض.

ثم لو صح هذا الخطاب بتلك الصورة ففيه الضلال والكذب، الضلال بجحد ما ثبت في الكتاب والسنة من صفات الله تعالى، والكذب حيث نسب إلى أهل السنة ما لم يقولوه.

ومن ذلك قوله: (تارة أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال ربّ العالمين).

وهذا تعريض وتشويه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) وقد نص الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه على أن الضمير يعود على الله عز وجل.

ومن ذلك قوله: (وتذكرون الكفّ والأصابع والرجلَيْن).

والله تعالى يقول: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (المائدة: 64).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير