تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل تحتوي أكثر مواده على ما يهدم الإسلام وينقضه، ولا عجب في هذا؛ فإن واضعه لم يبال – أصلا - أوافق الإسلام أم خالفه، وهذا أمر واضح وبديهي ولا يخالف فيه إلا من يغالط نفسه ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر.

قال العلامة أبو الأشبال أحمد محمد شاكر - وهو من أكابر العلماء والقضاة الذين عاصروا فتنة سنِّ القوانين للمسلمين على غرار التشريع الوضعي الحديث! - الوثني - وإلغاء المحاكم الشرعية -: " ... انظروا إلى ما صنع بكم أعداؤكم المبشرون المستعمرون: إذ ضربوا على المسلمين قوانين ضالة، مدمرة للأخلاق والآداب والأديان، قوانين إفرنجية وثنية، لم تُبنَ على شريعة ولا دين، بل بنيت على قواعد وضعها رجل وثني كافر هو "جوستنيان" أبو القوانين، وواضع أسسها فيما يزعمون".

وقال: " ... هذه القوانين أفسدت على الناس عقولهم وفطرهم الإسلامية، بل فطرهم الآدمية".

وقال: " ... لأني أرى هذه القوانين الأجنبية إليها يرجع أكثر ما نشكو من علل، في أخلاقنا، في معاملتنا، في ديننا، في ثقافتنا، في رجولتنا، إلى غير ذلك ... أثَّرت أسوأ الأثر في نفوس الأمة، وصبغتها صبغة إلحادية مادية بحتة، كالتي ترتكس فيها أوربا، ونزعت من القلوب خشية الله والخوف منه، كان التشريع الإسلامي يدخل القلوب ويرققها ويطهرها من الدنايا، هذه تربية الشريعة للأمة؛ فانظروا تربية القوانين المادية الأجنبية لم يحترمها المسلمون في عقيدتهم ودينهم، وإنما رهبوها وخافوا آثارها الظاهرة، ولم يعتقدوا وجوب طاعتها في أنفسهم، فكان ما نرى من اللدد في الخصومة والإسراف في التقاضي، وزيادة المطامع، والتغالي في إطالة الإجراءات، والتفصي بالحيل القضائية عند تنفيذ الأحكام.

ثم أجرمت هذه القوانين في حق الأمة والدين أكبر الجرائم فبثت في كثير من الناس روح الإلحاد والتمرد على الدين، أو حمتها وساعدت على بقائها ونمائها، وحمت التبشير وما وراءه من منكرات ومفاسد؛ بما تدعيه من حرية الأديان؛ فأبيحت الأعراض وسُفِكَت الدماء، ولم تنه فاسقاً، ولم تزجر مجرماً، حتى اكتظت السجون، وصارت مدارس لإخراج زعماء المجرمين، ونزعت من الناس الغيرة والرجولة، وامتلأ البلد بالمراقص والمواخير، وشاع الاختلاط بين الرجال والنساء، حتى لا مزدجر، وصرتم ترون ما ترون وتقرؤون ما تقرؤون في الصحف والمجلات، ومع ذلك فإن هذه القوانين التي تحكمون بها شرطت في القصاص شرطاً لم يشرطه الله، ولم يقل به أحد من المسلمين، لا من المجتهدين ولا المقلدين، ولا موضع له في النظر السليم؛ فأباحت به الدم الحلال، وكان له الأثر الكبير فيما نرى من كثرة جرائم القتل، وذلك أن المادة 230 من قانون العقوبات شرطت في عقاب القاتل بالإعدام: العمدَ مع سبق الإصرار والترصُّد. وأكدت ذلك المادة 234؛ فنصت على أن من قتل عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصُّد يعاقب بالأشغال الشاقة، المؤبدة أو المؤقتة.

إن القوانين الإفرنجية والنظم الأوربية فيها كثير مما يخالف عقائد المسلمين، وفيها تعطيل لكثير من فروض الدين، فيها إباحة الخمور علناً، والترخص رسمياً ببيعها، وفيها إباحة الميسر بكل أنواعه، بشروط ورخص وضعوها؛ فخَرِبَت البيوت، واختلّت الأعصاب والعقول، وفيها إباحة الفجور بطرق عجيبة، من حماية الفجار من الرجال والنساء من سلطان الآباء والأولياء، بحجة حماية الحرية الشخصية، ثم ما في الحانات والمواخير ثم اختلاط الرجال والنساء، ثم المراقص العامة والخاصَّة. وفيها إبطال الحدود التي نزل بها القرآن كلها مسايرة لروح التطور العصري وإتباعاً لمبادئ التشريع الحديث وتباً لهذا التشريع الحديث وسحقاً، وفيها إهدار الدماء في القتلى باشتراط شروط لم ينزل بها كتاب ولا سنة، إلى غير ذلك مما لا نستطيع أن نحصيه، وكل هذه الأشياء وأمثالها تحليل لما حرم الله، واستهانة بحدود الله، وانفلات من الإسلام وكلها حرب على عقائد المسلمين، وكلها تعطيل لحدود الدين، ولسنا ننعي على هذه القوانين كل جزئية؛ ففيها فروع في مسائل مفصلة تدخل تحت القواعد العامة في الكتاب والسنة؛

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير