فتارة يذكر لام التعليل الصريحة، وتارة يذكر المفعول لأجله، الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر "من أجل" الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة "كي"، وتارة يذكر "الفاء" و"إن"، وتارة يذكر أداة "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا، .... وتارة يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين وأنه ينزل الأشياء منازلها ويرتبها مراتبها" ().
? الأصل الثاني: أن أفعال الله سبحانه كلها حسنةٌ جميلة، لا يقبح منها شيء، قال تعالى:] الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [[السجدة: 7].
وقال ?: «إن الله جميل يحب الجمال» ()، فأفعال الله إذن مباينة لأفعال المخلوقين تمامًا ().
? الأصل الثالث: أنهم يصفون الله سبحانه بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله ? من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ولا أن تمثل صفاته بصفات المخلوقين، ولا أفعاله سبحانه بأفعال المخلوقين ().
? الأصل الرابع: أنهم لا يوجبون على الله شيئًا إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه تفضلاً منه وتكرمًا، كما قال تعالى:] لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [[الأنبياء: 23].
قال ابن تيمية: "وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا" ().
? الأصل الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه ()، قال تعالى:] وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [[الإسراء: 15]، وقال تعالى:] رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [[النساء: 165].
وقال ?: «ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين» ().
? الأصل السادس: أن الشرع جاء بتقرير ما هو مستقر في الفطر والعقول –ومن ذلك تحسين الحسن والأمر به، وتقبيح القبيح والنهي عنه– فلا تعارض بين الشرع والعقل،] أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ [[الملك: 14].
قال ابن القيم: "وأنه [أي الشرع] لم يجئ بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقول عن أحواله والاستقلال به، فالشرائع جاءت بمحارات () العقول لا محالاتها، وفرق بين ما لا تُدرك العقولُ حسنه وبين ما تشهد بقبحه، فالأول مما يأتي به الرسل دون الثاني" ().
? الأصل السابع: أن العقل لا مدخل له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلق المدح والذم بالأفعال عاجلاً أو تعلق الثواب والعقاب بها آجلاً، وإنما طريق ذلك السمع المجرد ().
د- تفصيل مذهب أهل السنة:
يمكن إيضاح مذهب أهل السنة في هذه المسألة وأدلتهم عليه في ثلاث نقاط ():
1 - أن الحسن والقبح صفات ثابتة للأفعال، وهذا الثبوت قد يكون بطريق العقل، وقد يكون بطريق الفطرة، وقد يكون بطريق الشرع، فالعقل والفطرة يحسنان ويقبحان، ولا يمكن أن يأتي الشرع على خلاف ذلك، والشرع أيضًا يحسن ويقبح فكل ما أمر به الشرع فهو حسن، وكل ما نهى عنه فهو قبيح. فثبت إذن أن الحسن والقبح قد يعرفان بالعقل، وقد يعرفان بالفطرة، وقد يعرفان بالشرع.
2 - أن ما أدرك العقلُ أو الفطرة حسنه أو قبحه فحكمته معلومة لدينا ولا شك، أما ما عرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقد تغيب حكمته وعلته عن عقولنا القاصرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن جميع ما حسنه الشرع أو قبحه له علة وحكمة يعلمها الله – والواجب التسليم لشرع الله – فإن من صفاته العلم والحكمة، وهذا يقتضي أيضًا أنه لا يجوز عليه سبحانه أن يأمر بالظلم وينهي عن العدل، لكمال حكمته سبحانه.
3 - أن ما عُرف حسنُه وقبحُه بطريق العقل والفطرة لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب ما لم تأتِ به الرسل؛ لأن الدليل الشرعي إنما أثبت المدح والذم والثواب والعقاب على من قامت عليهم الحجة بالرسل والكتب، فالمدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على ما عُرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقط.
¥