تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال على بن عبد الكافي السبكي الخزرجي (683 – 656) في كتابه ((السيف الصقيل بالرد علي ابن زفيل)):" وليس على العقائد أضر من شيئين: علم الكلام والحكمة اليونانية، وهما في الحقيقة علم واحد، وهو العلم الإلهي، لكن اليونان طلبوه بمجرد عقولهم، والمتكلمون طلبوه بالعقل والنقل معاً. وافترقوا ثلاث فرق إحداها غلب عليها جانب العقل وهم المعتزلة والثانية غلب عليها جانب النقل وهم الحشوية والثالثة ما غلب عليها أحدهما بل بقى الأمران مرعيين عندها على حد سواء وهم الأشعرية وجميع الفرق الثلاث في كلامها مخاطرة إما خطأ في بعضه وإما سقوط هيبة، والسالم من ذلك كله ما كان عليه الصحابة والتابعون وعموم الناس الباقون على الفطرة السليمة "اهـ

قلت: أما قوله (والثانية غلب عليها النقل) فهذا مما لا تعاب به الفرق فاتباع النقول وتحري اقتفاء الآثار أمر محمود باتفاق المسلمين ومن ذم فرقة بمثل ذلك فهو كافر بالله العظيم بإجماع أئمة المسلمين ولذا قال الإمام سفيان الثوري:" إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل "اهـ وكيف تعيبون علي الحشوية! ذلك وهم إنما تبعوا الحشوي الأول! ابن عمر ابن الخليفة الذي نبزتموه بذلك لتعظيمه للآثار وهو الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح وقال فيه ((نعم الرجل عبد الله) قال أبو جعفر الباقر:" كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله "اهـ

وقال خارجة بن مصعب []: عن موسى بن عقبة، عن نافع، قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقلت: هذا مجنون.

وقال نافع []:ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مكان صلى فيه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.

وقال زيد بن أسلم []: أن ابن عمر كان يصفر حتى يملا ثيابه منها، فقيل له: تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها.

وقال ابن وهب []: عن مالك، عمن حدثه، أن ابن عمر كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثاره وحاله، ويهتم به، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك.

فلينظر من بقي له ناظران في وجهه بعد عمي ناظري قلبه إلى ابن عمر واقتفائه الآثار وغلبة ذلك عليه وهو الحشوي الأول! ثم لينظر إلى ورثة تركته من الحشوية ويري أخالفوه أم وافقوه!

ثم قال الكوثري في الحاشية: ((ومنهم أصناف المشبهة والمجسمة، وسبب تسميتهم حشوية أن طائفة منهم حضروا مجلس الحسن البصري بالبصرة وتكلموا بالسقط عنده فقال: ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة- أي جانبها- فتسامع الناس ذلك وسموهم الحشَوية -بفتح الشين، ويصح إسكانها- لقولهم بالتجسيم؛ لأن الجسم محشو، راجع شفاء الغليل للشهاب الخفاجي، وذيل لب اللباب في تحرير الأنساب للشيخ المحدث أبي العباس أحمد العجمي، ومقدمة ما كتبنا، على تبين كذب المفتري.

والحشوية هم الذين حادوا عن التنزيه وتقولوا في الله بأفهامهم المعوجة وأوهامهم الممجوجة، وهم مهما تظاهروا باتباع السلف إنما يتابعون السلف الطالح دون السلف الصالح، ولا سبيل إلى استنكار ما كان عليه السلف الصالح من إجراء ما ورد في الكتاب والسنة المشهورة في صفات الله سبحانه على اللسان، مع القول بتنزيه الله سبحانه تنزيها عاما بموجب قوله تعالى: ?ليس كمثله شيء? بدون خوض في المعنى ولا زيادة على الوارد ولا إبدال ما وَرَد بما لم يرد، وفي ذلك تأويل إجمالي بصرف الوارد في ذات الله سبحانه عن سمات الحدوث من غير تعيين المراد، وهم لم يخالفوا في أصل التنزيه الخلفَ الذين يعينون معنى موافقاً للتنزيه بما يرشدهم إليه استعمالات العرب وأدلة المقام وقرائن الحال، على أن الخلف يفوِّضون علم ما لم يظهر لهم وجهه كوضح الصبح إلى الله سبحانه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير