فالخلاف بين الفريقين هيِّن يسير وكلاهما منزه، وإنما السبيل على الذين يحملون تلك الألفاظ على المعاني المتعارفة بينهم عند إطلاقها على الخلق ويستبدلون بها ألفاظاً يظنونها مرادفة لها ويستدلون بالمفاريد والمناكير والشواذ والموضوعات من الروايات. ويزيدون في الكتاب والسنة أشياء من عند أنفسم ويجعلون الفعل الوارد صفة إلى نحو ذلك، فهؤلاء يلزمون مقتضى كلامهم وهم الحشوية.
فمن قال: إنه استقر بذاته على العرش وينزل بذاته من العرش، ويُقعِد الرسول ? على العرش معه في جنبه وإن كلامه القائم بذاته صوت وإن نزوله بالحركة والنقلة وبالذات وإن له ثقلاً يثقل على حملة العرش، وأنه متمكن بالسماء أو العرش، وأن له جهة وحدَّاً وغاية ومكاناً، وأن الحوادث تقوم به وأنه يماس العرش أو أحداً من خلقه، ونحو ذلك من المخازي فلا نشك في زيغه وخروجه وبعده عما يجوز في الله سبحانه. وهذا مكشوف جداً فلا يمكن ستر مثل تلك المخازي بدعوة السلفية، والذين يدينون بها هم الذين نستنكر عقائدهم ونستسخف أحلامهم، ونذكرهم بأنهم نوابت حشوية)) انتهى
قلت: أما خبر الحسن البصري فقد رددنا عليه وعمدة الكوثري الجهمي في النقل ما جاء في ((شفاء العليل)) للخفاجي وهو متأخر (ت: 1069 هـ) له ترجمة في ((خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر)) أما ((شفاء الغليل) فهو كتابه ((شفاء العليل فيما في لغة العرب من الدخيل)) ولم أقع عليه. وعزى إلى ذيل لب اللباب لأحمد العجمي وهو متأخر أيضاً (ت: 1069) له ترجمة في خلاصة الأثر وفي الأعلام وغيرهما.
والذي في اللب نفسه لا حجة له فيه قال السيوطي وهو صاحب اللب: " الحَشْوية: طائفة يشبهون الله تعالى بخلقه ومن مذهبهم جواز وجود ما لا كمعنى له في الكتاب والسنة وهو الحشو فكأنها نسبة له ويقال أيضاً الحَشَوية "اهـ والذين يجوزون وجود ما لا معني له في كتاب الله هم الأشاعرة أنفسهم يقصدون بذلك آيات الصفات لأنه للأشعري فيها قولان قول بالتأويل وقول بالتفويض للمعني قال ناظمهم:
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
وتفويض المعني حقيقته أنه لا معني لتلك الآيات المشكلة التي تشبه كلام العجم التي استثناه أولئك الأكياس! من كتابه الذي أمر الله بتدبره وزعموا أن السلف لم يدروا لها معني وأنهم (وهم الخلف!) أولوا ظاهرها ثم قالوا: إن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم فحقيقة قولهم كما قال شيخ الإسلام: تزكية أصحابهم وذم السلف!!
ثم اعلم أن هذه النسبة لم يذكرها أحد من أئمة هذا الشأن من المؤلفين في الأنساب كالسمعاني والصحاري وغيرهما.
وأما قوله (إنه استقر بذاته على العرش) فقد تقدم الكلام عنه وأنه من تفسير السلف وما حذا بالكوثري إلى التشنيع بهذا القول إلا جهله ببقية مقالهم فإنهم قالوا إنه استوى علي العرش بحد ولهم كتب ومقالات في إثبات الحد لله وهو ينافي أن يختلط بخلقه أو يختلط خلقه به فله العلو المطلق علي الخلق المنافي للخلطة والحلول لا كما زعم الكوثري أنهم يقولون: عرشه مكانه الذي استقر عليه يحفه ويختلط به كما هو حال المخلوقين.
وأما قوله (يقعد نبيه معه) فللعلماء فيه مسالك منهم من غالى في إثباته وقال: من لم يثبته فهو كافر كالقاضي أبي يعلى الحنبلي ومنهم من لم يثبته وغالى في النفي وحقيقة الاعتقاد التعليق على ثبوت النص فما ثبت به النص أثبتاه علي ما يليق بالله وما نفاه نفيناه وقد صح هذا القول عن مجاهد وغيره وحكاه ابن جرير ولم يختره في تفسير قوله تعالى (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ولكنه قال هنالك أيضاً (17/ 531): " فإن ما قاله مجاهد من أن الله يُقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مدفوع صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن التابعين بإحالة ذلك. فأما من جهة النظر، فإن جميع من ينتحل الإسلام إنما اختلفوا في معنى ذلك على أوجه ثلاثة .... ثم حكاها ... وقال: وغير محال في قول منها ما قال مجاهد في ذلك."اهـ
وقال القرطبي الأشعري! (تفسيره 10/ 311): ((وروى عن مجاهد أيضا في هذه الآية قال: يجلسه على العرش. وهذا تأويل غير مستحيل)) اهـ
¥