هكذا يقولُ العليمُ الحكيمُ. فليتأمل د. الماجد هذا. ثم ليراجع ما ذكره هو في مقالته، حين أعلنَ: إن إعادة قراءة نصوص النهي عن مودة الكفار: "من شأنها أن تفك كثيراً من الاحتقانات والإشكالات، بل من الممكن أن تساعد على ترسيخ السلم الاجتماعي"! فما يقول حبيبنا د. الماجد: إنه السبيل المساعد على ترسيخ السلم الاجتماعي، يقول القرآن عنه: إنه طريقٌ إلى فتنةٍ في الأرضِ وفسادٍ كبيرٍ.
******
د. الماجد –وفقه الله- طرحَ إشكالاتٍ حول مسألة بغض الكافر. والذي أقطع به أن حلَّ جميعِ تلك الإشكالات سهلٌ وقريبٌ كلَّ القُرب. لكنَّ هذا الحلَّ له شرطٌ واحدٌ جليلُ القدر: وهو شرطُ (التسليم والانقياد التام للوحي الإلهي). فالقضية هنا لا تتعلق بفهم ((بعض)) العلماء لآيةٍ قرآنيةٍ واحدةٍ محتملة الدلالة كما ظنَّ الدكتور. بل هي قضية تتعلق بأصل ديني بدهي كبير، دلائله متواترة من القرآن والسنة والإجماع الجليِّ.
نصوص الشريعة متوافرةٌ متضافرةٌ في تقريرِ أن الحبَّ والبغضَ يجب أن يدورَ أصله مع الإيمان، لا مع الأهواء والأذواق والرغبات. والذي يقول: (لا نبغض إلا من يحاربنا)، فهو –من حيثُ لم يشعُر- جعل التعدي على شخصه أو قومه أو بلده، أعظم من التعدي على حق الله في التعظيم والتوقير والإفراد بالوحدانية. فصار انتهاكُ حقوق الخلق من موجبات الكره والبغض. أما انتهاك حق الله، وشتيمته بنسبة الولد والشريك له، فليس لهذا علاقةٌ بمشاعر الكره والحب!
*****
نصوص الشريعة كلها أدارت الحب والمودة مع الإيمان: (إنما المؤمنون إخوةٌ). (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا). (لا يجد أحدٌ حلاوةَ الإيمان حتى يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله ... ). (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد)، (المؤمن للمؤمن كالبنيان .. ). فالحبُّ في دين الإسلام قاعدته الإيمان بالله. ولن يجد الباحثُ في نصوص الشريعة نصاً يقول: (مثل الناس في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد). بل الموجود فيها فقط: (مثل المؤمنين في توادهم ... ).
والمحبة والمودة مشاعر قلبية، تدور مع ما يسكن القلب ويستقر فيه من المعاني. فمتى استقر في القلب تعظيمُ شيءٍ ومحبته محبةً تامةً، فإنه ينفر مباشرةً مما يناقضه وينافيه. فحبك لأبيك وأمك يجعلك تنفر ممن يشتمهما أو ينالُ منهما. ومحبتك لمالك تجعلك تنفر ممن يتلفه ويتعدى عليه. ومحبتك لولدك تجعلك تنفر وتكره من يسعى في أذيتهم وإفسادهم. فكذلك حبك لله، يجعلك تنفر وتكره من يكفر به، أو يجعل له شريكاً، أو ينسبُ له ما لا يليق بجلاله. وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى قال: "يشتُمني ابنُ آدمَ، وما ينبغي له أن يشتمني، ويُكذِّبني وما ينبغي له. أما شتمه فقوله: إن لي ولداً. وأما تكذيبه، فقوله: ليس يعيدني".
فالنصراني الذي ينسب لله الولد، هو –في الواقع- شاتمٌ لله. فهل نقول: حتى مع شتمه لله وأذيته له، لن نكرهه حتى يؤذينا و يحاربنا نحن المخلوقين؟!
وأبعدُ من هذا أن يقالَ: نبغضُ شتمَ لله وسبَّه والكفرَ به، لكن لا نبغض الشاتم والكافرَ ولا نكرهُه!
*****
قد يقول قائلٌ هنا: إن هذا النصراني جاهلٌ بدين الإسلام، فهو قد نشأ على شيءٍ يظنه حقاً، فكيف نؤمر ببغضه وكراهيته؟
هذا السؤال يمكن قلبه بالاتجاه الآخر: فالنصراني المحاربُ أيضا، قد نشأ على دين يراه حقاً، وهو يحسب أنه محسنٌ مأجورٌ في حربه لأعداء المسيح. فكيف نؤمر ببغضه وكراهيته؟
على أن هذا السؤال إنما يصدر ممن يظن مخطئاً أن بغض الكافر عقوبةٌ مرتبةٌ على جنايةٍ. والواقع أن بغض الكافر والنفور منه، ليس عقوبةً يختار المؤمن إنزالها بالكافر. بل هو شعورٌ قلبيٌّ، واستجابةٌ فطرية، يفترضُ أن تنشأ تلقائياً متى استقر في القلبِ إيمانٌ صحيحٌ وتعظيم لمقام الله -عز وجل-.
فكما أن المسلم المحافظ المهذَّب الخلوق الذي نشأ في خيرٍ وأدبٍ، يجدُ في نفسه تلقائياً: نفرةً وكرهاً للفاجر العربيد السكير سيء الأخلاق، بقطع النظر عن تربية ذاك السكير وظروف نشأته التي أوصلته لهذه الحال. فكذلك قلب المؤمن المعظم لمقام الله، فإنه يكره ويبغضُ وينفر ممن يكفر بالله، أو ينسب له الولد والشريك، أو ينتهك حقه في الوحدانية، بقطع النظر عن أسباب ذلك الكفرِ وملابساته.
¥