تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النصوص الشرعيةُ والأخبارُ عن أئمة الإسلامِ في تقرير هذا المعنى كثيرةٌ وفيرةٌ. وليس المقام مقام استيفاءٍ. لكنَّ المراد أن من الخطأ أن يظن أحدٌ أن هذا الأصل العظيم مبني على خطأ من ((بعض)) العلماء في فهم آية. بل هو أصلٌ راسخٌ مجمعٌ عليه، ودلائله منثورةٌ مشهورةٌ في نصوص الوحيين.

لكن هذه النصوصُ الواضحةُ الجلية، لن يفيد منها قارئها حتى يأتي البيت من بابه. ومسائل الشريعة لها بابٌ واحدٌ، وهو بابُ التسليم والخضوع للتوجيه الإلهي، بأن يحاول المسلمُ فهم مراد الله من كلامه، كي ينزله على الواقع مهما كان هذا التنزيل ثقيلاً. وإن من أعظم سبل الزلل أن نعكس المسار، فننظر إلى تعقيدات الواقع، ثم ننادي بإعادة قراءة النص القرآني كي نخرج بتفسير يخفُّ علينا ويلائم أهواءنا. سواءٌ في ذلك أهواؤنا القلبية، أو أهواؤنا العقلية. فللعقول أهواؤها كما أن للقلوب أهواءها. وإذا كان هوى القلوب في شهواتها ورغباتها، فإن هوى العقول في تفلتها وتمرُّدها الخفي على الوحي الإلهي.

*****

في سبيل أن نصل لفهمٍ صحيح للمسألة، نحتاج لفتح القلوب والعقول للتوجيهات الربانية، فإذا سمعنا نهياً واضحاً صريحاً عن مودة الكفار أو موالاتهم، فلا نحرف الكلم عن مواضعه ونذهبَ لنقول: المقصود النهي عن محبة ومودة الكفر، وليس الكافر!

لنفتح قلوبنا وعقولنا، ولنقرأ –مثلاً- قول الحكيم العليم الخبير:

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وأبناءكم أولياء، إن استحبوا الكفر على الإيمان. ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الكافرين).

لنقرأ الآية، ثم لنتدبر قوله: (لا تتخذوا آباءكم وأبناءكم). فالكلام هنا عن موالاة ومودة أشخاص الكفار وأعيانهم (الآباء والأبناء)، وليس عن محبة معنى مجرد اسمه (الكفر).

و لنتأمل –أيضاً- أن الله قال: (إن استحبوا الكفر على الإيمان)، ولم يقُل (إن قاتلوكم أو حاربوكم). فالنهي عن الموادة والموالاة هنا ليس لأجل أنهم حاربونا أو قاتلونا أو أبغضونا أو منعونا من الدعوة إلى الله. بل النهي عن المودة سببه -بنص القرآن- أن أولئك الآباء والأبناء: (استحبوا الكفر على الإيمان).

فكيف يسوغ لمن يعظم النص القرآني أن يلغي هذه الدلالة الجلية الصريحة، ثم يعلنُ أن المقصودَ بالآيةِ الكافر المحارب؟! أو أن المقصود بغضُ الكفر وليس الكفار أنفسهم؟!

*****

آيةٌ أخرى عظيمةٌ جليلةٌ:

يقول الله جل ذكرُه: (قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معه).

الآية تقول: إن لنا أسوةً حسنةً في إبراهيم والذين معه. فما الذي فعله إبراهيم والذين معه حتى نتأسى ونقتدي بهم؟

(إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله).

انظروا لدقة التعبير القرآني الذي يأبى أيَّ تأويل أو تحريف: (إنا برآء منكم)، وبرآء أيضاً (مما تعبدون من دون الله). براءة من الكفر. وبراءة من الكفار أنفسهم. فهل نقبل بعد هذا من أحدٍ أن يقول: بل البراءة والعداوة تكون للكفر وليس للكافر؟!!

لم تنته كنوزُ هذه الآية بعد. فلا زال هناك المزيد من جوانب الأسوة الإبراهيمية:

(إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله. كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً).

يقولون لقومهم وأهليهم: (كفرنا بكم) .... فأين هذا من قول من يقولُ: الكره للكفر وليس للكافر؟!

(وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء أبداً).

عداوة ... بغضاء ... أبداً.

لكن إلى متى تستمرُّ هذه العداوة والبغضاء؟

قال تعالى: (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده).

إذن نهاية العداوة والبغض: (إيمان قومِ إبراهيم بالله وحده). هنا تنتهي العداوةُ والبغضاء.

السؤال هنا: لماذا تنتهي العداوة عند هذا الحد؟

الجواب واضح: فسبب العداوة والبغض كفرهم بالله. فمتى آمنوا بالله وحده، زال السبب، فزالت العداوة والبغضاء، وحلت محلها المودة والمحبة والموالاة.

أوليس من المغالطة أن يقول قائل بعد هذا: إن سبب الأمر ببغض الكافر محاربته لنا؟!! فهلا قالَ إبراهيم: (بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء حتى تكفوا عن حربنا وأذيتنا)؟

هناك نصوصٌ أخرى كثيرةٌ تؤكد هذا المعنى. لكني أكتفي بهذا القدر. وقد جعلتُ هذا التقريرَ مقدمةً للحديث عن الإشكالات الجانبية التي طرحها د. حمد الماجد. ولأني أطلتُ عليكم بما فيه كفاية، فسوف أؤجل ما تبقى إلى جزء آخر من هذا التعليق.

كتبه/ بندر الشويقي

1/ 3/1431هـ

ـ[خالد جمال]ــــــــ[23 - 02 - 10, 06:42 م]ـ

من قال ان الصفة تتبع الموصوف في كل حال؟

فهل كل من فعل كفراً صار كافرا؟

ثم كيف أحب إنسان ثم أبغضه في نفس الوقت؟

هذا كلام نظري فقط

أخشى أنك خلطت عدة أمور!

- فهل تتصور كفراً مجرداً هكذا في الهواء بدون شخصٍ يتصف به؟!!

- بغض الكافر لا ينافي دعوته للدين الإسلامي، والتعامل معه

في تجارة ونحوها (بالضوابط الشرعية)، بل وإجابة دعوته كما

فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولعل هذا منشأ الخلط

عندك!

- أنت تتكلم على الكافر وليس من وقع في الكفر فالبون بينهما شاسع جداً!

- الإنسان المسلم قد يحب لأجل ما عنده من الطاعة، ويُبغض لأجل ما عنده من

المعاصي والفجور، فيجتمع له حب من جهة، وبغض من جهة أخرى، وهذا لا إشكال فيه.

- الكافر يبغض لكفره بالله تعالى وسبه له بأن يدّعي له الصاحبة والولد، وقد يكون هذا الكافر

زوجةً يميل إليها المرء لشهوة وهذا الميل ليس للدين، بل لما غرزه الله تعالى في النفس

البشرية من حب النساء والميل إليهن.

- أخشى أن طرحك أخي هو النظري، ولا شك أنها شبهة دخلت عليك، أو كما سمعت بعض

أهل العلم يقول: (هذه مخادعة).

والله الموفق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير