الجواب: معلوم من خلال كلامك المفرق في مؤلفاتك والذي نقلنا بعضا منه أنك تقصد بـ (الموقع الطبيعي) لآل البيت هو القفز إلى سدة الحكم و (استعادة) القرار فعندها يكون الحكم شرعيا، وما لم فلا!!، وهذا المسلك هو دعوة للخروج على الحاكم وتأليب للناس عليه، والنتيجة مزيد من دماء الأبرياء بسبب هذه الدعوة المشئومة التي يدعو إليها دعاة آل البيت ورموزهم بين حين وآخر!!.
قد تتنكر أيها الشيخ لهذا الاتهام، لكن هذه أقوالك من كتبك، منها الصريح ومنها التلويح، ولا بأس أن أزيدك من أقوالك ما يؤكد دعوتك لـ (الخروج على الحكام) من خلال تمجيدك لحوادث التاريخ التي سلك فيها دعاة آل البيت مسلك الخوارج بتفجير الثورات والخروج على الحكام:
(6) الحسين وزيد درس في سبيل إعادة الحق المغتصب:
يقول الشيخ المشهور في كتابه (التنصيص المثبوت: 27):
( ... كما كان لهم – أي آل البيت – من تضحية أسلافهم في سبيل استعادة الحق المغتصب درس عالمي آخر، أبرز بيقين موقف الشعوب واستتباع الأمم لدولة الحكم في الغالب، كموقف الإمام الحسين والإمام زيد وغيرهما ... ). اهـ.
قلت:
إن الحسين بن علي t كان مجتهدا على كل حال ومأجورا، لكن فعله ذلك لا يعني أنه مصيب ولا أن نجعل من موقفه ذلك حجة للخروج على الحكام لإعادة الحكم والقرار لآل البيت، كما يراه الشيخ. والحسين نفسه t كما ذكر أهل السير، ندم وطلب أن يعطى إحدى ثلاث لكف الدماء ولكن مضى القدر كما قدر الله ليكون الحسين t شهيدا.
قال ابن كثير في (البداية والنهاية: 8/ 183):
(وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد لقتالهم، فقال له الحسين: يا عمر اختر لي إحدى ثلاث خصال: إما أن تتركني أرجع كما جئت، فإن أبيت هذه فسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده فيحكم فيّ ما رأى، فإن أبيت هذه فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت). ومثل هذا ذكره أيضا ابن جرير الطبري في (تاريخه).
أما (زيد بن علي بن زين العابدين) فقد خرج في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد نهاه بعض العقلاء عن الخروج فلم يقبل – رحمه الله -، فخرج بمن معه في صفر من سنة 122هـ، وقد تهيأ له يوسف بن عمر نائب العراق، والحكم بن الصلت نائبه على الكوفة، فحجبا الناس عنه، فما اجتمع معه إلا عدد قليل، وقتل – رحمه الله – وتفرق أتباعه من بعده. ثم ظهر أمر ابنه (يحي) في خراسان، حيث لاحقته سيوف الأمويين فقتل هناك سنة 125هـ.
وفوّض الأمر بعد يحي إلى (محمد وإبراهيم)، فخرج محمد بالمدينة فقتله عاملها عيسى بن ماهان، وخرج إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور.
والآن:
ماذا تستفيد الأمة من هذه (الثورات العلوية)؟. وهل تفنى الأمة مقابل أن يصل آل البيت إلى الحكم واستعادة الحق المغتصب؟!.
ثم من هؤلاء (وغيرهما) الذين تقصدهم بقولك: ( .. كموقف الإمام الحسين والإمام زيد وغيرهما ... )؟.
(7) الثورات العلوية لضبط العالم:
يقول الشيخ المشهور في كتابه (المناصرة والمؤازرة: 15):
(لقد بذل العديد من (آل البيت النبوي) جهودهم عبر مسيرة التاريخ لضبط مسيرة العالم تحت الراية الواحدة، ولكن الأقدار الأزلية رسمت غير ذلك، فكان الأمر كما كان، و] ِلَّلهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ [ .. ). اهـ.
أقول:
هل فعلا كانت الثورات العلوية لضبط مسيرة العالم تحت الراية الواحدة؟!.
لا ننكر أن هناك من أئمة آل البيت من كان يرى في خروجه على دولة الحكم أنه يرجو أن يقيم الأمر، لكن ليس سياسة الأمة وضبطها يتم بالنيات الحسنة فقط، فإدخال الأمة في صراعات داخلية يضعف قوتها ويرغب عدوها فيها.
ثم لماذا هذا الظلم والهضم لمحاسن ولاة المسلمين السابقين من غير آل البيت؟!، أليسوا قد نشروا الدين، وفتحوا البلدان، ودانت لهم الأمم، وظهر الإسلام حينها على غيره من الملل؟.
¥