( .. يشير الناظم إلى سكون الإمام علي مع أصحاب الشأن، ولم يجيش أحدا ضد قرار الحكم على عهد أبي بكر ولا من بعده، ولو فعل ذلك لكان موقفا يحتذى .. فهو حجة في سكوته، وحجة في انطوائه مع الخلفاء الراشدين، ويتوقف الاحتجاج بالنصوص بتوقفه عن العمل بها، فموقفه حجة وكفى)!. اهـ.
أقول:
من يتمعّن كلام الشيخ المشهور جيدا يتضح له الآتي:
أولا: أن خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ومن بعده، ليس لأنهم أحق بها، وإنما لأن عليا - رضي الله عنه - سكت ولم يجيش أحدا ضدهم، فلذا القرار يعود إلى علي وحده دون سواه.
ثانيا: أن عليا - رضي الله عنه – لو قُدّر أنه نازع أبا بكر أو غيره أمر الخلافة، فعلى الناس أن يحتذوا بفعله، ويقفوا إلى جانبه .. لماذا؟ .. لأنه (حجة)!!.
ثالثا: أن النصوص الشرعية التي وردت في من هو أولى بالخلافة، إنما مردها إلى الإمام علي بن أبي طالب، ولا يصح من أحد أن يحتج بشئ من النصوص إلا ببيان من الإمام علي أو تقرير منه، ولأنه توقف عن المطالبة بالخلافة بعد وفاة النبي r فينبغي السكوت عن خلافة أبي بكر ومن بعده اتباعا لفعل علي. فعلي ثم علي هو المقرر للمواقف أولا وأخرا، لأنه (حجة الله على خلقه)!!. وإذا سألنا: لماذا علي بن أبي طالب حجة دون غيره؟، يأتينا الجواب من المشهور: (فموقفه حجة وكفى)، فلا داعي للاسترسال حتى لا ينكشف الغطاء وتظهر حقيقة النزعة الشيعية لديه، فالأحوط الاختصار بمثل هذا الجواب.
مفهوم (الحجة):
إن الشيخ المشهور – هداه الله - يصف الإمام عليا بأنه (حجة). وهذا الوصف هو عين ما تقوله الشيعة في علي وبقية الأئمة من بعده. وقد عقد الكليني في كتابه (الكافي) ([9]) بابا سماه: كتاب الحجة، ننقل منه ما يلي:
قال الكليني: عن أمير المؤمنين علي – عليه السلام – قال: (إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجة في أرضه) ([10]).
فما هو مفهوم الحجة؟.
الجواب: أن يُجعل الأئمة في مرتبة لا يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرب، وعبرهم يتوصل إلى الله، وبهم يحفظ الله السماوات والأرض بمن فيهما، و ... إلخ!!.
يقول الكليني: عن أبي عبد الله – عليه السلام – قال: (إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا خزّانه في سمائه وأرضه، ولنا نطقت الشجرة، وبعبادتنا عبد الله - عز وجل-، ولولانا ما عبد الله - عز وجل -) ([11]).
وقال أيضا: عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) ([12]).
ويذكر ابن بابويه القمي، وهو واحد من أصحاب الصحاح الأربعة عند الشيعة، عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال:
(نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها) ([13]).
وذكر الخميني - الهالك - في كتابه (الحكومة الإسلامية) أن الأئمة لهم مقام لا يبلغه نبي مرسل ولا ملك مقرب، وتخضع لولايتهم كل ذرة في ذرات الكون!!.
فهذا إذن مفهوم (الحجة)، فهل يعي الشيخ المشهور ما يقوله حين يجازف في الأوصاف والألقاب؟!.
(10) النبي يخص عليا بالعلوم اللدنية:
قال الشيخ المشهور في كتابه (التليد والطارف: 51) في قصة أمره r لأصحابه بقتل رجل وهو يصلي، فذهب أبوبكر لقتله فوجده يصلي فرجع، وكذلك عمر، فلما ذهب علي لم يجده فرجع، فقال له النبي r : { أنت صاحبه إن أدركته} ..
قال الشيخ: ( .. وكأنها إشارة منه r للعلاقة الشرعية في مدلول العلم اللدني منه لعلي بن أبي طالب، وأفضليته في شأن تأهله لاجتثاث الفتن ومعالجتها .. ). اهـ.
أقول:
أي علاقة شرعية يستنبطها الشيخ (المشهور) من هذه الرواية لينسب لعلي tالعلوم اللدنية؟!. فالنبي أخبر أن عليا كفيلا بالرجل إن أدركه. فما دخل العلوم اللدنية هنا؟
¥