وفي أثناء اشتداد الأزمة بين الأمين والمأمون ولدي هارون الرشيد، تمكن الفضل بن سهل السر خسي وزير المأمون من إقناعه بالتنازل عن الخلافة للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم. فأحس العلويون بالانتعاش، ونهضت الثورات العلوية ضد العباسيين في البصرة والكوفة وغيرها، ومن بين قادة هذه الثورات أخوا الإمام علي الرضا، وهما زيد بن موسى، وإبراهيم بن موسى. ومن هول وشراسة هذه الثورات العلوية لمجرد شعورهم أنهم اقتربوا من الحكم، أن لقب زيد بن موسى بـ (زيد النار) لكثرة من أحرق من المسلمين بالنار. ولقب إبراهيم بن موسى بـ (إبراهيم الجزار) لكثرة من ذبح من المسلمين. وجاء رد القيادة العباسية حاسما وقاسيا أمام هذه الانتفاضات الدموية التي كادت أن تنجح لصالح العلويين، فقام المأمون بالقضاء على وزيره الفضل بن سهل، ومات الإمام علي الرضا على إثره بمدة فجأة ([15]).
6) مضى المجوس يحيكون المؤامرات على الإسلام والمسلمين، والعمل على هدم الخلافة الإسلامية، وإثارة النعرات العرقية.
وفي مطلع القرن الثالث من الهجرة أنهكوا الخلافة الإسلامية، واستغل المجوس ضعف الخلافة، فشجعوا طاهر بن الحسين على الاستقلال بخراسان، ووقفوا إلى جانبه، وأقاموا دولتهم في مرو ونيسابور، واستمرت حتى عام 259 هـ. وهذا أول انقسام عرفته الخلافة الإسلامية، وكان بداية لمزيد من الدويلات والانقسامات. فقامت دولة للقرامطة في الإحساء والبحرين واليمن وعمان وفي بلاد الشام حينا من الزمن. وقامت دولة البويهيين في العراق وفارس وسائر المشرق. وقامت دولة العبيديين في مصر والشام. وقامت الدولة الزيدية في بلاد الديلم و (صعدة) في اليمن.
علوية حضرموت والحنين لإقامة دولة علوية
كان اليمن ولا يزال محط أنظار العلويين كموقع ملائم لنشاطهم الدعوي والحركي، لما يتمتع به أهله من حب آل البيت، ولبعده عن مركز الخلافة حينها، ولوعورة مسالكها الجبلية. فقامت في (صعدة) دولة زيدية علوية على يد يحي بن الحسين الرسي (الهادي إلى الحق)! سنة 284 هـ.
وفي عام 317 هـ، تحرك ركب علوي آخر من البصرة في أرض العراق بقيادة أحمد بن عيسى المهاجر ليستقر في وادي حضرموت، حاملا في ضلوعه وجنباته إقامة إمامة علوية من منطلق نظرتهم في حقهم الشرعي في إمامة المسلمين، لكن هذا الهدف فشل أمام تمسك الحضارم بالحكم.
وبعد وفاة المهاجر ظل العلويون يحلمون بهذا الهاجس، وعبر عن هذا الطموح العلوي صاحب كتاب (العقود العسجدية: 1،2) عبد القادر بن عبد الرحمن بن عمر الجنيد بقوله: ( .. وعاد الحنين والرغبة المكبوتة لدى العلويين لاعتلاء السلطة، وإقامة الدولة العلوية).
وقد ذكر المؤرخ / كرامة مبارك سليمان با مؤمن في كتابه الفذ (الفكر والمجتمع في حضرموت) محاولات العلويين الحضارم لإقامة الدولة العلوية، منها:
(1) محاولة محمد بن عقيل بن يحي العلوي، وذلك في عام 1217 هـ، ولكن المنية وافته قبل أن يراها.
(2) محاولة طاهر بن حسين بن طاهر العلوي، وذلك في عام 1220 هـ، وأمده أثرياء العلويين بالأموال الطائلة، فدعا إلى التسلح والزحف، لكنه فشل في تحقيق حلمه.
(3) محاولة أحمد بن علي الجنيد، حيث اقترح السيد حسن بن صالح البحر أن ينهض بالإمارة العلوية السيد الثري أحمد بن علي الجنيد، وذلك في رسالة وجهها إلى السيد عمر بن زين الحبشي عام 1253 هـ. ومما جاء في الرسالة:
( .. وقد وددنا من أهل البيت خصوصا، وسائر المؤمنين عموما، أن يشنوا الغارة على أعداء دين الله، ولنصرة شريعة رسول الله r ، وإقامة ما وضع من ود الله. والحبايب آل الجنيد قد أدخلهم الله في هذا الأمر، وفيهم أهلية من وجهة الدين ومعرفة الشريعة المحمدية ... ، فيحق للجميع من أهل البيت وغيرهم أن يعقدوا البيعة للأخ / أحمد بن علي الجنيد .. ومن أراد أن يكون من حزب الله ساعده على ذلك).
والجدير بالذكر أن هذه المحاولة فشلت، وظلت حبرا على ورق.
(4) محاولة إسحاق بن عقيل بن يحي العلوي، وذلك في عام 1265 هـ، ودارت معركة بين الشحر وقرية دفيقة، انتهت بهزيمة العلويين.
الانصراف من الإمارة إلى الوزارة:
¥