إن هذا كان اجتهادا منه t ، فقد رأى لابنه يزيد من القوة العسكرية والألمعية ما يؤهله لتولي الخلافة، فتكون قوته قوة للمسلمين، كما أنه رأى أن للأمويين شوكة ومنعة تكفي لاجتماع الكلمة عليهم، فخشي t أن تقع الأمة في صراع جديد من بعده فتضعف قوة المسلمين، فأحسن ما يفعل هو أن يختار ولي عهده قبل أن يموت، لأن ذلك يبعد الاختلاف الذي هو شر على الأمة، فجعل العهد لابنه، وذلك لمصلحة الإسلام والمسلمين في تلك الظروف. ثم إن معاوية استخلف وهو في هذا مقتدٍ بالشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -. حيث استخلف الصديق عمر قبل وفاته، واستخلف عمرُ ستة من بعده يجعلونها في واحد بينهم. لكن الذي أخذ على معاوية t من قبل المخالفين له حينها هو استخلافه لولده، فالصديق لم يستخلف ابنه ولا ابن عمه طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنهما – مع أهليتهما. والفاروق لم يستخلف ابنه أو ابن عمه سعيد بن زيد – رضي الله عنهما – مع أهليتهما.
أقول:
هو كذلك، ولكن من المعلوم قطعا عند كل عاقل أن الأمة في عصر الشيخين - رضي الله عنهما - ليست مثل الأمة التي كانت في عصر معاوية t . فما كان للصديق أو الفاروق أن يستخلفا المفضول من أهلهم مع وجود الفاضل من غير أهلهم لخير أمة حينها. وأما في عصر معاوية t ، وقد فتحت أبواب الفتن بمقتل عثمان t ثم علي t ، فقد عصفت الفتن بالقلوب، وتوسعت الأقطار، فرأى معاوية t مجتهدا ما ذكرناه، خاصة وأنه t لم يستبد بالأمر دون الأمة، فطلب وفود الأمصار فحضروا عنده وأجابوه إلى طلبته من بيعة يزيد، وكان هذا خير ما يلم شعث المسلمين.
قال ابن خلدون:
(والذي دعا معاوية t لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه، إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا لعدالته، وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك، وعدالتهم مانعة منه) ([19]).
فهل يليق بعد هذا أن يقول الشيخ المشهور ما قاله في هذا الصحابي إلا أن يكون ينزعه عرق التشيع؟!. فما رأينا أحدا يبغضه ويلمزه إلا شيعي أو خارجي.
(18) معاوية من البغاة:
قال الشيخ المشهور في كتابه (التليد والطارف: 34) ناظما وشارحا:
ومثله صلح الإمام الحسن .. مع البغاة مدرءاً للفتن
قال:
(أي: ويستشهد على مفهوم سنة المواقف ما فعله الإمام الحسن مع محاربيه من أجل الحكم).
قلت:
مع من كان صلح الحسن بن علي t ؟ . أليس كان مع معاوية t ؟ .
فهل يليق أن يوصف هذا الصحابي بذلك؟!.
فأين يقع منك أيها الشيخ حديث النبي r : { إذا ذكر أصحابي فأمسكوا}؟.
ما ضر البحر أمسى زاخرا .. أن رمى فيه غلام بحجر
(19) معاوية مهندس للفتن:
قال الشيخ المشهور في كتابه (التليد والطارف: 129) ناظما وشارحا لنظمه:
ومثله ما قيل في عمار .. يقتله الباغون بالتار
علامة حددها نبينا .. فحرف البغاة معنىً بيِِنا
وأعلنوا أن الذي قد قتله .. ذاك الذي للحرب طوعا حمله
قال:
(كان مقتل عمار – رضي الله عنه - تحولا خطيرا في المواقف، وكاد جيش معاوية أن ينهزم، وخاصة أن كثيرا من المقاتلة امتنع عن القتال لما عرف بالعلامة أن البغاة هم قتلة عمار. فما كان من مهندسي الفتن إلا أن بينوا الأمر على غير وجهه، وقالوا: إن الذي جاء بعمار إلى الحرب هو علي وفئته، فهي التي قتلته وهي الفئة الباغية وليس جماعة معاوية، واستمر القتال). اهـ.
أقول:
¥