قد ثبت في الصحيح أن النبي قال: {ويح عمار، تقتله الفئة الباغية}. وذكر أهلالسير بأن معاوية هو الذي أشار إلى ذلك المعنى، وهو معنى بعيد عن الصواب، لكن لا يعني هذا أن يجعل الشيخ المشهور عِرْضَ هذا الصحابي مرتعا يلغ فيه، ويوسع السب والشتم تصريحا وتلويحا كما تفعله الشيعة، مما يكشف لنا داخلة سؤ من الشيخ أبي بكر المشهور) تجاه معاوية صاحب النبي وصهره t ! .
قال ابن كثير في (البداية والنهاية):
(وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه أما سمعت رسول الله r يقول لعمار: [وَيْحَكَ يا ابْنَ سُمَيَّةَ تَقْتُلُكَ الفِئَةُ البَاغِيَةُ]. قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول عبد الله هذا؟ فقال معاوية: لا يزال يأتينا بهنة بعد هنة، أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاؤوا به). اهـ.
جاء في (السيرة الحلبية: 2/ 153):
( .. وفيه أن تلك الفئة التي كان فيها قاتله كان فيها جمع من الصحابة وهم معذورون بالتأويل الذي ظهر لهم، ... وإطلاق البغي عليهم حينئذٍ باعتبار ذلك، قال بعضهم: وفئة معاوية وإن كانت باغية لكنه بغي لا فسق فيه، لأنه إنما صدر عن تأويل يعذر به أصحابه).
(20) معاوية من (المضلين عضدا):
قال الشيخ المشهور في كتابه (التليد والطارف: 124) عن الإمام علي بن أبي طالب t :
( .. ونصحه المغيرة بن شعبة أن يثبت معاوية على الشام في الإمارة حتى يلتزم الطاعة فأبى، وقال: إن أقررت معاوية على ما في يده كنت متخذا المضلين عضدا، ولا يراني الله كذلك أبدا)!!. اهـ.
قلت:
ألا تتقي الله في نفسك أيها الشيخ وتكون أمينا في نقلك!. إن هذا الذي ذكرته قد ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية) لكن ليس بهذا اللفظ وإنما قال:
(وقال معاوية لجرير: إن ولاَّني عليّ الشام ومصر بايعته على أن لا يكون لأحد بعده عليَّ بيعةٍ، فقال: ابن شعبة أن أولّي معاوية الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك] وَمَا كُنْتَ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً [.) ([20]).
فأنت ترى أن عليا t إنما تلا الآية استئناسا لا استدلالا شرعيا يقصد به معنى الآية، وهذا مثل قول النبي r لعائشة – رضي الله عنها – {إنكن لصواحب يوسف}. وكذا قوله r لعلي بن أبي طالب لما وجده وفاطمة قد ناما عن صلاة الليل: {ألا تصليان}. فقال علي: يا رسول اللّه إنما أنفسنا بيد اللّه، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ولم يرجع إلي شيئاً ثم سمعته وهو مولٍّ يضرب فخذه و يقول:] وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ً [([21]).
فهذه الآية إنما هي في النضر بن الحارث أو أبي بن خلف، وليس عليا t ، وكذلك ذكر علي للآية] وَمَا كُنْتَ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً [يُحمل على ما ذكرنا.
فانظر أيها الشيخ كم من الفرق بين ما ذكرته وبين ما ذكره الحافظ ابن كثير - عليه رحمة الله -، لتعرف حجم الجناية التي ترتكبها في عرض هذا الصحابي الجليل!!.
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة .. وإن كان يدري فالمصيبة أعظم
وإليك أيها الشيخ معتقد أهل السنة والجماعة في هذا الصحابي الجليل t وما ورد في حقه من الآثار الشريفة، لعلها تحدث في نفسك ذكرا:
قال ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) عن سيرة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:
(1) (ثم كان ما كان بينه وبين علي بعد قتل عثمان، على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم كما قدمنا، وكان الحق والصواب مع علي، ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفاً وخلفا ً، وقد شهدت الأحاديث الصحيحة بالإسلام للفريقين - أهل العراق وأهل الشام - كما ثبت في الحديث الصحيح: [تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَقْتُلُهَا أَدْنَى الطَائِفَتَين إِلَى الحَقِّ]. فكانت المارقة الخوارج، وقتلهم علي وأصحابه، ثم قتل علي فاستقل معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين، مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلاً من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين. وفيها أو في التي بعدها أغزاه بلاد الروم وقد
¥