مقامة العَرُوض ومقامة القوافي للإمام الزمخشري
ـ[عمر بن عبد المجيد]ــــــــ[19 - 10 - 10, 08:11 ص]ـ
مقامة العَرُوض
يا أبا القاسم لنْ تَبْلُغَ أسْبَابَ الهُدَى بمعرفَةِ الأسبابِ والأوتادْ، أوْ يَبْلُغَ أسبَابَ السموَاتِ فِرْعَوْنُ ذُو الأوتادْ.
إن الهُدَى في عَرُوضٍ سِوَى عِلْمِ العَروضْ، في العِلْمِ والعملِ بالسنَنِ والفُرُوضْ.
ما أحوَجَ مِثْلكَ إلى الشُّغْلِ بتعْديلِ أفاعيلهْ، عن تعديلِ وَزْنِ الشِّعْرِ بتفاعيلهْ.
مَنْ تَعَرَّضَ لابتغاءِ صُنوف الخيرِ وضُروبِهْ، أعْرَضَ عَنْ أعارِيضِ الشِّعْرِ وأضرَبَ عَنْ ضُرُوبِهْ.
ما تَصْنَعُ بِالضُروبِ والأعاريِضْ، فيِ الكلامِ الطويلِ العريِضْ، في صِناعةِ القَريِضْ، وَوَرَاءَ ذلكَ حَيْلُولَةُ الجريض.
لأنْ تَنْطِقَ بِكَلِمَةٍ فاضِلة، بَينَ الحقِّ والباطِلِ فاصِلَهْ، خيرٌ منْ منطقِكَ في بيانِ الفاضلَةِ والفاصِلَةْ.
عليْكَ بتقوَى اللهِ ومراقبتهْ، وَلتَرْعُدْ فَرائِصُكَ خَوْفَ مُعاقَبَتِهْ.
وَدَعْ ما يَجرِي مِنَ المُعاقَبَةِ والمُراقَبَةِ بَينَ الحَرْفَينْ، وَعدِّ عنِ الصَّدْرِ والعجُزِ والطّرَفَينْ.
ما ضَرَّكَ إذا تَمَّ وَوَفَرَ ديِنُكْ، وَسَلِمَ وَصَحَّ يَقينُكْ. واتّصَفَا بالوُفُورِ والاعتدَالْ، وَخَلصَا عن الانتقَاصِ والاعتِلالْ، وَإنْ وُجِدَ في شِعْرِكَ كَسْرٌ أوْ زِحَافْ، أوْ وَقَعَ بَينَ مَصَارِيِعِهِ خِلافْ.
وَيْلَك إنْ كُنْتَ منْ أهلِ الفضْلِ والحزْمْ. فلا تهْتَمَّ بنُقْصانِ الخرْمِ وزيادةِ الخَزْمْ، وَلا تُفكِّرْ في الأثْلَمِ والأثْرَمْ، والأخْرَب والأخْرَمْ، والأجَمِّ والأقْصَمْ، والأعْضَبِ، والأصْلَمْ، والمخْبُونِ، والمخُبولْ، والمَطْوِيّ، والمشكُولْ، والمقصُورِ، والمحْزُولْ، والمقْطُوعِ، والمحذُوفْ، والمعْصُوبِ، والمكفُوفِ، والمعقُولِ، والمَقطُوفْ، وَالمُشَعّثِ، والأشَترْ، والأحَذِّ، والأبْتَرْ، والمقبوُضِ، والمُضْمَرْ، والموْقُوفِ، والمنقُوصْ، والمكسُوفِ، والموقُوصْ.
إنَّ لِبَاسَ التّقْوَى خَيْرُ لِبَاسْ، وأزْيَنُهُ عندَ اللهِ والنّاسْ، فلا تَكُ عَنْ إضْفائِهِ مُغْفَلاً، وَالبْسَهُ مُذالاً مُسَبّغاً مُرَفّلاً. وَلا تقْتصرْ منهُ على الأقْصَرِ الأعْجَزْ، كَمُخَلّعِ البَسيطِ أوْ مَشْطُورِ الرَّجَزْ.
واعْرِفِ الفضلَ بينَ السكَيْتِ والسابِقِ إلى الغايَةْ. وإنْ لمْ تعرِفِ الفضْلَ بينَ الفصْلِ والغايَةْ.
وَإيّاكَ والخَطْوَ المتقارِبَ. وَلا تَرْضَ بدُونِ الرّكْضِ والرَّمَلْ، وأبطِرْ نَفْسَكَ ذَرْعَها فيِ مضمار العَمَلْ. فإنّما يَلْحقُ الخفيفُ السّريع المُنسرحْ. وادْأبْ لَيْلَكَ الطّوِيلَ المَديِدَ وَلا تَقُلْ أصْبحْ.
وليَكُنْ لكلامِكَ المُقْتَضَبِ سائِقٌ مِنَ التّنَبُّه مُحْتَثْ، وَإلا فَكلِماتُكَ في الشّجَرِ المُجْتَثْ.
وَليُطْربْكَ الحَقُّ الأبْلَجْ كمَا يُطرِبُ الشارِبَ الهَزَجْ.
وإيّاكَ ثُمَّ إيّاكْ أنْ تُرَى إلا في ذَاكْ وَلأنْ تَفُكَّ نَفْسَكَ عَنْ دَائِرِةِ الجَرَائِرْ أوْلَى بِكَ مِنْ فَكِّ الْبُحُورِ وَالدَّوَائِرْ.
مقامة القوافي:
يا أبا القاسم شأنَكَ بِقافيةِ رأسِكَ وعَقْدِها، وبدعْوَةِ السّحرِ تُحَلِّلُها بِيَدِهَا. إنْ كُنْتَ ممّنْ يَنْفعُهُ استغفارُهُ أوْ يُسْمَعُ منْهُ ندَاؤُهُ وَجُؤَارُهُ.
واسْتَغْنِ بِكلماتِ اللّهِ الشافِيَةْ عَنِ التكَلمِ في حدُودِ القافيَةْ. فَما يؤْمِنُكَ أنْ يُوَرِّطَ بِكَ في اقترِاَفِ جُرْمْ، انتِصارُكَ لأخَوَيْ فُرْهُودَ وَجرْمْ.
وَلعَلَّ قَدْحَكَ في بَنيِ مَسْعَدةَ والمُسْتَنيرِ وَكَيْسانْ، يَسمُكَ بِما سَمّتْهُ بنُو فَهْمٍ بِكَيْسانْ.
وَاذْهَلْ عَنِ المُتكاوِسِ منْها والمُتَدارِكْ، بتكاوُسِ ذُنُوبِكَ وَعَجْزِ المُتدارِكْ، وَعَنِ المُتواتِرِ والمُتَرَاكِبِ والمُتَرَادِفْ، بآثامٍ كأنّها هي في وَصْفِ الوَاصِفْ.
وَعَنِ الفَصْلِ بينَ الخُرُوجِ والوَصْلْ، بالخُرُوجِ عنِ الأجْدَاثِ يَومَ الفَصْلِ.
وَلا تحْسَبْ أنَّ مَنْ لا يَعْرِفُ نَفَاذاً وَلا توْجِيهاً، لَمْ يكُنْ عندَ اللهِ وَجيهاً.
وَمَنْ لَمْ يُرَاعِ ردْفاً وَرَويّاً، لَمْ يُصبْ منَ الكَوْثَرِ شِرْباً رَويّاً.
وَمَنْ أخطأَ مُجرىً أوْ دَخِيلا، وُجِدَ بَينَ أهلِ الحَقِ دَخِيلا.
وَمَنْ أسّسَ بَيتاً لم يُساندْ فيهِ ولا أقَوى، كَمَنْ بَنَى بَيَتاً أُسِّسَ مِنْ أوَّلِ يَوْم على التقوى.
وَمَنْ عَرَفَ الإشبَاعَ والحَذْوْ، صادَفَ النّصْبَ والبأوْ. وَتَنَكّبَ التّحْريِدَ والإيطاءْ والتضْمِينَ والإكْفاءْ، وما صَنَعَ في ارْتِجازِهِ أبُو جَهْل. فَهُوَ السّالِمُ مِنْ كُلِّ خَطَأ وَجَهلْ.
فَرُبَّ كَبير منْ عُلماءِ الرَّسْ، هُوَ شرَّ مِنْ أصحابِ الرَّسْ.
وَكَمْ منْ ماهرٍ في معرفةِ الغُلُوِّ والتعدي، هُوَ منْ أهْلِ الغُلُوِّ في الباطلِ والتعدِّي.