الكتب المؤلفة في أصول علم التحقيق: إحصاؤها ونقْدُها
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[28 - 03 - 07, 09:15 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وبعد.
هذا - أيها الأفاضل - بحث، أو أصلٌ لبحثٍ ينتظر فروعه ممن يُعنى منكم بعلم هذا الباب من أهل العلم وطلابه، وآمَلُ أن يحضى بتشييدكم لأركانه قبل أملي أن يحوز على رضاكم.
أرجو النقد البناء والاستدراك العلمي والتفصيل النافع، وأتطلع منكم إلى نكتة لطيفة وفائدة غريبة وتنبيه مهم، ومن الله التوفيق، والآن إلى الموضوع.
المراد بأصول التحقيق قواعد تحقيق النصوص أو الكتب؛ والمراد بتحقيق الكتاب في عُرف أهل العلم والطباعة وغيرهم كالوراقين المعاصرين: هو تصحيحه – أو محاولة تصحيحه - ليكونَ موافقاً لأصله، أي مطابقاً لما تركه عليه مؤلفُه، أو في الأقل مطابقاً لأصح أصوله الخطية، ولو لم يكن بين تلك الأصول أصلُ مؤلفه.
قال عبد السلام هارون رحمه الله في (تحقيق النصوص ونشرها) (ص46 - 48) في بيان معنى تحقيق متن الكتاب:
(ومعناه أن يؤدي الكتاب أداءً صادقاً، كما وضعه مؤلفه، كمّاً وكيفاً، بقدر الإمكان، فليس معنى تحقيق الكتاب أن نلتمسَ للأسلوب النازل أسلوباً هو أعلى منه، أو نُحِلَّ كلمةً صحيحة على أخرى صحيحة بدعوى أن أولاهما أولى بمكانها، أو أجمل، أو أوفق، أو ينسب صاحب الكتاب نصاً من النصوص إلى قائل وهو مخطئ في هذه النسبة، فيبدل المحقق ذلك الخطأ ويحل محله الصواب، أو أن يخطئ في عبارة خطأً نحوياً دقيقاً فيصحح خطأه في ذلك، أو أن يوجز عباراته إيجازاً مخلاً فيبسط المحقق عبارته بما يدفع الإخلال، أو أن يخطئ المؤلف في ذكر علم من الأعلام فيأتي به المحقق على صوابه----.
ليس تحقيق المتن تحسيناً أو تصحيحاً، وإنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإنَّ متن الكتاب حكمٌ على المؤلف، وحكمٌ على عصره وبيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها، كما أن ذلك الضرب من التصرف عدوانٌ على حق المؤلف الذي له وحده حق التبديل والتغيير.
وإذا كان المحقق موسوماً بصفة الجُرأة فأجْدِرْ به أن يتنحى عن مثل هذا العمل، وليدعْه لغيره ممن هو موسوم بالإشفاق والحذر.
إن التحقيق نتاجٌ خلقي، لا يقوى عليه إلا من وُهب خَلتين شديدتين: الأمانة والصبر، وهما ما هما!!
وقد يقال: كيف نترك ذلك الخطأ يشيع، وكيف نعالجه؟
فالجواب أن المحقق إن فطن إلى شيء من ذلك الخطأ نبه عليه في الحاشية أو في آخر الكتاب وبيّن وجه الصواب فيه؛ وبذلك يحقق الأمانة، ويؤدي واجب العلم)؛ انتهى.
هذا وقد صار أكثر المبتدئين وكثيرٌ من غيرهم لا يفرقون بين تحقيق الكتاب والتعليق عليه بما لا علاقة له بالتحقيق، فصاروا يسمون كلَّ شيء تُسوَّد به حواشي الكتب المطبوعة تحقيقاً.
وأصول فن التحقيق عربية إسلامية محضة، قال الدكتور رمضان عبد التواب في أول كتابه (مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين): (يظن بعض الباحثين المحْدثين من العرب، أن فن تحقيق النصوص فن حديث ابتدعه المعاصرون من المحققين العرب، أو استقوه من المستشرقين، الذين سبقونا في العصر الحاضر بعض الوقت في تحقيق شيء من تراثنا ونشره بين الناس.
ولكن الحقيقة بخلاف ذلك، فقد قام فن تحقيق النصوص عند العرب مع فجر التاريخ الإسلامي (1)، وكان لعلماء الحديث اليد الطولى في إرساء قواعد هذا الفن في تراثنا العربي، وتأثر بمنهجهم هذا أصحاب العلوم المختلفة؛ وإنَّ كثيراً مما نقوم به اليوم من خطوات في فن تحقيق النصوص ونشرها، بدءاً من جمع المخطوطات والمقابلة بينها، ومروراً بضبط عباراتها وتخريج نصوصها، وانتهاءً بفهرسة محتوياتها، لمما سبقَنا به أسلافنا العظام من علماء العربية الخالدة)؛ انتهى.
¥