[خطط المغرب الشرقي]
ـ[العبدلي]ــــــــ[23 - 04 - 07, 07:19 م]ـ
باسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد:
فقد صدر مؤخرا كتاب لمنشورات وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية للمملكة المغربية و هو بعنوان خطط المغرب الشرقي.
الكتاب هو لابن عمنا الدكتور بدر المقري.
و كما يظهر من عنوان المُؤَلَف فإن صاحبه أراد التعريف بأصحاب الخطط العلمية
و الإدارية للمغرب الشرقي أي وجدة و ضواحيها إضافة إلى فكيك و القلعية.
جاعلا في ذلك الفترة الممتدة من القرن الخامس للهجرة إلى الخامس عشر كمساحة زمانية لعمله.
و الخِطط كما هو معلوم جمع خطة و أصلها مثلما ذكر في اللسان ابن منظور
الأَرض تُنْزَلُ من غير أَن ينزِلها نازِلٌ قبل ذلك وقد خَطَّها لنَفْسِه خَطّاً واخْتَطَّها وهو أَن يُعَلِّم عليها عَلامةً بالخَطِّ ليُعلم أَنه قد احْتازَها ليَبْنِيَها داراً.
كتاب المقري هذا يضاف إلى كتب أخرى اعتنت بحواضر المغرب الأقصى كالاغتباط بتراجم أعلام الرباط لمحمد بوجندار، و سلوة الأنفاس للكتاني محمد بن جعفر و إتحاف أعلام الناس لعبد الرحمن بن زيدان المكناسي و غيرها من المؤلفات التي ذكرها الدكتور بدر في مقدمة كتابه. بالإضافة إلى ما ألفه أصحاب المغرب الأوسط حول أعلام حواضرهم و لعل أهم كتبهم كتاب البستان في ذكر العلماء و الأولياء بتلمسان لابن مريم.
و رغم صعوبة المهمة لقلة المادة المرجعية الخاصة بوجدة و ضواحيها من كتب مطبوعة أو مخطوطة أو أرشيفاتٍ خاصة و أن هذه الأخيرة أعني أرشيفات المغرب لعهد الحماية قد أخذت كما أخذ أرشيف الجزائر إلى فرنسا و ليس هذا بغريب على الأمة الغربية فقد قام الفرنسيون و غيرهم من المستشرقين أيضا بسرقة كنوز المخطوطات الإسلامية ردها الله إلى أصحابها.
قلت رغم هذه الصعوبات فقد وفق المؤلف في ما أراده توفيقا كبيرا يقف عليه إن شاء الله المطلع للكتاب.
و في رأيي فإن السبب الأول لنجاح المؤلف في مبتغاه بعد توفيق الله هو في الطريقة التي رتب بها كتابه حيث قسم كتابه إلى أربعة أبواب أتى في الثلاثة الأولى على ذكر الخطط العلمية و المخزنية في الحاضرة الوجدية و نواحيها. ثم خطط فكيك فخطط قلعية.
و عقد الأخير منها لذكر الدلائل التوثيقية لعمله و هو لوحده يعد عملا جبارا سيسهل على الدارسين للمنطقة صعابا جمة كانوا سيصادفونها لو لم يؤلف هذا الكتاب.
ثم فرع كل باب من الأبواب الثالثة الأولى إلى فصلين واحد في ذكر الخطط العلمية و آخر في ذكر المخزنية.
و بالطبع فقد أتى الفصل الأول من الباب الأول على جل مباحث الكتاب إذ احتوى على اثنا عشر مبحثا ابتدأها الدكتور المقري بذكر البواده العلمية في وجدة ثم ثنى بالأسر العلمية فيها و بعدها ترجم لعلمائها بإيجاز من دون إخلال وهو أكبر مباحث الكتاب.
و خص بعد ذلك محفظي كتاب الله بمبحث أردفه بنماذج من فقهاء وجدة.
و بعد انتهائه من وجدة ترجم لعلماء نواحيها.
و لما انتهى مما سلف أتى المؤلف بنماذج من علماء مغاربة و جزائريين وفدوا على حاضرة وجدة بين عامي 1910م و 1933،هذا المبحث و إن كان صغير الحجم فهو عظيم الفائدة إذ يبين أهمية وجدة عند علماء ذلك الزمان كما يشير إلى موضوع جدير بالدراسة ألا و هو تأثير التيارات العلمية المغاربية في الحاضرة الوجدية.
كما لا يفوتني أن أقول لعل المؤلف قد فصل بين ما سبق من التراجم و هذا المبحث حتى يصحح خطأ شائعا حول مدينة وجدة و هو ظن البعض أن وجدة ليست إلا معبرا للعلماء.
و على غرار هذا المبحث عقد المؤلف مبحثا آخر للتواصل العلمي بين وجدة و الساقية الحمراء في بداية القرن العشرين.
لم يهمل الدكتور المرأة الوجدية في كتابه خاصة و أنها إضافة إلى إعدادها للأعلام المترجم لهم سابقا قد برز منها ثلة ذكر الأستاذ بدر منهن سبعا.
كما لم يفت الكاتب أن يعقد مبحثا حول الزجل في وجدة. و مبحثا لنماذج من أعلام العمل الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي فكانت هذه المباحث الثلاث الأخيرة شيئا لم يأت به من سبق الباحث على حد علمي إذ اهتم معظم أصحاب التراجم بأهل العلم و أهل الرتب الحكومية و لم يولوا اهتماما لأعلام الاقتصاد. و إن كانوا قد ترجموا لأعلام النساء فإن إفراد المرأة بمبحث كفيل بتنبيه المتربصين بها إلى مكانتها الحقيقية في المجتمع الإسلامي من خلال إبراز مكانتها في المجتمع الوجدي.
و قد خصص الكاتب قبل مبحث أعلام الاقتصاد الوجدي مبحثا حول الزوايا الوجدية.
بعد انهاء المؤلف للفصل السابق ذكر كما أسلفنا في البدء الخطط الإدارية في وجدة ثم في النواحي و قد قسم الثاني إلى مقصدين بين في أولهما التنظيم القبلي لبني يزناسن و في ثانيهما قواد النواحي.
كما يجدر بنا التذكير بأن الباب الخاص بفكيك قد اشتمل على فصل ثالث في ذكر زواياها.
إن المطلع على كتاب المقري هذا سيعلم أنه كتاب قد حجز مكانه ضمن كتب التراجم المعول عليها إلى جنب الكتب الآنفة الذكر و لن أكون غاليا إذا قلت أنه يمتاز عنها بدقة ترتيبه كما يساويها في التعريف بأناس ما كانوا ليعرفوا لولا جهود مؤلفي كتب التراجم الذين أصبح الدكتور بدر المقري واحدا منهم.
أبو تراب محمد المقري