تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الله تبارك وتعالى في كتابه: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {8} وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9} وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة الحشر 8 - 10).

فذكر المهاجرين وأثنى عليهم بقصدهم في هجرتهم إلى طلب مرضاة الله ونصرته سبحانه ونصرة رسوله صلى الله عليه وسلم وشهد لهم بالصدق، ثم ذكر الأنصار وأثنى عليهم بسبقهم للإسلام واتخاذ المدينة داراً لإيواء إخوانهم المهاجرين، محبين لهم مؤثريهم على أنفسهم، وشهد لهم بالفلاح، ثم ذكر طائفة ثالثة تأتي من بعدهم، وأثنى عليها باستغفارها للمهاجرين والأنصار، وسؤالها لله تعالى أن يطهر قلوبها من الغل على أحد منهم.

فينبغي أن يحرص كل مسلم على أن يكون على ما ذكر الله من حال الطائفة الثالثة وصفتها، كما روى ابن بطة العكبري فيما ذكره عنه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية، عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسنُ ما أنتم عليه كائنون، أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ الآية الآنفة.

وأثبت هذا الموقف من الصحابة رضوان الله عليهم، كثير من العلماء المتقدمين في ترجمة عقيدة السلف، من ذلك قول الإمام أبي جعفر الطحاوي في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، وقال أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في رسالته: وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يُلتمس لهم المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.

واليوم وقد أصبحت الأمة أكثر تعرضاً للغزو الفكري والثقافي، وأشد افتتاناً بالدنيا وزينتها، هي أحوج ما تكون إلى إحياء سير الصحب الكرام، وتعليمها للصغار وروايتها بين الكبار، فقد تضمنت من سمو الأخلاق والاستقامة على دين الله، والمواقف الإيمانية الرائعة في الذب عن الإسلام ونصرة رسوله عليه الصلاة والسلام، ما فيه أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم، وإن مما يؤسف له أن نرى بعض شبابنا معجبين بمشاهير اللاعبين والفنانين، وأشباههم، يعلمون من تفاصيل أخبارهم، ويسعون في تقليدهم، ولا يعرفون شيئاً عن مشاهير الصحابة، فضلاً عمن سواهم.

وقد اعتنى المصنفون منذ زمن بعيد، كالبغوي وابن قانع والطبراني، بإحصاء أسماء الصحابة وجمعهم في معاجم مفردة، مع اختصار تراجمهم وبيان مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغازي والسير والهجرة وبيعة العقبة والرضوان ونحو ذلك.

ومن أشهر هؤلاء المصنفين الحافظ أبو عبدالله ابن مندة الذي ذيل عليه أبو موسى المديني، والحافظ أبو عمر ابن عبدالبر الذي ذيل عليه ابن فتحون، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه معرفة الصحابة.

ثم جاء المؤرخ الأديب أبو الحسن علي بن محمد بن الأثير الجزري فصنف كتابه أسد الغابة، جمع فيه الكتب السابقة إلا ذيل ابن فتحون، وزاد من غيرها أسماء.

فكان هذا أسد الغابة أجمع الكتب في هذا الباب، قبل أن يظهر كتاب الإصابة في تمييز الصحابة، لخاتمة الحفاظ والمحققين، شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن حجر الكناني العسقلاني ثم القاهري، المتوفى سنة 852هـ، فقد جمع فيه ما في أسد الغابة وزيادات تجريد أسماء الصحابة للذهبي، وزاد عليهما كثيراً، لكنه مات قبل عمل المبهمات، رتبه على حروف المعجم، وجعل تحت كل حرف أربعة أقسام:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير