"كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون" اهـ.
وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة، قال عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا) رواه البخاري (2029) ومسلم (297). وفي رواية لمسلم: (إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ). وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِط.
وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته فكان يخرج رأسه من المسجد إلى حجرة عائشة فتغسل له رأسه صلى الله عليه وسلم وتسرحه.
روى البخاري (2028) ومسلم (297) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ (أي: معتكف) فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. وفي رواية للبخاري ومسلم: (فَأَغْسِلُهُ). وترجيل الشعر تسريحه.
قال الحافظ:
"وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغَسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّن إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ , وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ فِيهِ إِلا مَا يُكْرَه فِي الْمَسْجِدِ" اهـ.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان معتكفاً ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة، وذلك من أجل التركيز الكلي لمناجاة الله تعالى، وتحقيق الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع عن الناس والإقبال على الله تعالى.
قالت عائشة: (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ). رواه أبو داود (2473) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
"وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع. قاله الشوكاني في "نيل الأوطار".
وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف صلى الله عليه وسلم فلما قامت لتذهب قام معها ليوصلها، وكان ذلك ليلاً.
فعن صَفِيَّةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا. أي: ليردها إلى منزلها. رواه البخاري (2035) ومسلم (2175).
وخلاصة القول كان اعتكافه صلى الله عليه وسلم يتسم باليسر وعدم التشدد، وكان وقته كله ذكراً لله تعالى وإقبالاً على طاعته التماساً لليلة القدر.
انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (2/ 90)، "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو.
الإسلام سؤال وجواب
ـ[المغربي أبو عمر]ــــــــ[08 - 09 - 09, 07:05 م]ـ
فضيلة الشيخ: لي والدان قد يحتاجان إلي، أو قد يحتاج أحدهم إلي أن أكون معهم مما يجعلني مترددا هل أعتكف أو أترك الاعتكاف؛ علما بأنني أنوي الاعتكاف في المسجد الحرام وإذا لم يتيسر فإنني سأعتكف في المسجد النبوي، أفتوني مأجورين وجزاكم الله كل خير؟
أخي في الله، أوصيك أن تبر والديك، وأن تقدم بر والديك على الاعتكاف، وعلى سائر النوافل؛ لأن الله وصّاك من فوق سبع سماوات بوالديك خيرا، وأمرك سبحانه أن تحسن إلى والديك.
وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - على أن برّ الوالدين من أحبّ الأعمال إلى الله -عز وجل -، وذلك بعد حقّه؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه وأرضاه - أنه قال: ((سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي العمل أحب إلى الله - تعالى -؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)).
¥