تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[فرق بين اثنين]

ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[14 - 08 - 08, 12:32 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين

اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

[فرق بين اثنين]

علي الجابر

فرق بين اثنين – أحدهما يقرأ القران ليستنير بآياته ويهتدي بأوامره وينتهي عن نواهيه، ثم هو بعد ذلك يتأمل فيها أشد التأمل، متتبعًا لتفاسيرها، متفكرًا في عللها ومقاصدها، متجردًا في ذالك كل التجرد عن كل ما يعتري الإنسانَ من مزالق الهوى والشيطان، فإذا ما تبين له مرادُ الآية وغرضُ الشارع منها أخذ به غير ملتفت لمذهب مادي، أو رأي مخالف حتى وإن بدا فيه من الواقعية والحقيقة والمصداقية ما بدا فيه. أخذ بها متيقنا من مصداقيتها ثم أنزلها على أمور حياته، فجعلها القاضي والحاكم الأول في شؤونه وأعماله، غير آبِهٍ بِلَوْم اللائمين أو اعتراض المعترضين –الذي هم على طريقِه إلا أنهم يعدون فعلَه من التشدد وإنزال الأمور على واقع غير صالحٍ لها، مُعوِّلين على اختلاف الزمان أو تغير الأولويات– فإن نازعه في أمره شيءٌ من هواه، أو رأيٌ كان يراه، أو فهمٌ ظَنَّ فيه الحق والفلاح، ألقاه جانبًا ورمى به خلف ظهره، وبقي في تمسكه بالأمر الواضح.

فهذا لعمر الله قد عرف الطريق فسار عليه، ووجد النور فاهتدى به، فهو ممن قال الله فيهم: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [محمد: 14]، وهو بحق ممن قال الله فيهم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، ثم هو بعد ذلك لا يكتفي بفعل الحق لكونه مأمورًا به فحسب، بل يعمل به واثقًا من أن الخير في اتباعه، مطمئنَّ القلب أنه على البصيرة الواضحة والطريقة الناصعة، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

فرق بين هذا وبين آخر من الناس تراه للقرآن تاليًا، ولكنه من حبه لدينه وطمعه في أن يحببه للناس، ومع خوفه من الهجمات الغربية التغريبية، والشبهات المنتشرة، والشهوات المستعرة – يسعى بكل جهده في إقناع الناس أن الإسلام يستوعب كل هذه الآراء، ويتبنى كل هذه الدعوات للتطور والنهوض، فيسعى جهده في جمع الأدلة النقلية والعقلية في إثبات ذلك، حتى لو لزم من ذلك إلغاء بعض النصوص أو التغافل عنها أو تضعيفها، أو إن اقتضى الأمر ليها أو تفسيرها على غير مرادها. فإذا ما وجد من الغرب فكرة رائجة أو مذهبا مقبولا ادعى زورًا وبهتانا أو جهلا أنها من الإسلام، وأن الإسلام يدعو إليها، ومثل ذلك فعل بعضهم -في ادعائهم الباطل- أن الديمقراطية الغربية هي نفسها الشورى الإسلامية، وأن ما بينهما مجرد اختلاف لفظي أو سوء فهم من بعض المتشددين، ثم هو بعد ذلك يدعو لمنهجه ويستميت في الدعوة لهذه الديمقراطية، لامزًا كل من ينكرها ويحاربها بالجهل والتشدد.

وهو إن رأى في نفسه فكرة، أو كان لديه في بعض الأمور نظرة، أو لجماعته رأي في أمر معين، ذهب يستقصي في القرآن والسنة ما ورد في ذلك من أدلة قد تكون منسوخة أو مندرجة تحت دليل عام، أو غير ذلك، ذهب إلى ذلك فجمعه، ومراده بذلك نصرة مذهبه، وما توصل إليه فكره، فهو بهذا جعل القرآن تابعًا لفكرته دون أن يشعر، يمهد لها الطريق أمام الناس حتى تكون مقبولة؛ فهو ليس كالأول الذي نظر في القرآن ثم استخرج من مجموع آياته وتعاليمه ومقاصدها ومآلاتها فكرتَه الصائبة، ونظرتَه القويمة، فإن وجد في القرآن ما يعارض رأيه معارضة واضحة لكل ذي بصيرة، نظر في كلام أهل العلم فإن استطاع أن يخرج بخلاف فيها أو قول شاذ ذكرها، ليكون له بذكرها مخرج، فإن امتنع ذلك أو ضاق عليه الأمر، ادعى أن الإسلام بقواعده الكلية يدعو إلى هذا، وأنَّ في رد قوله قطعًا لمسيرة العمل الإسلامي وهدمًا لبنيانه {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21]، وهو في كل ذلك يظن أنه بعمله هذا إنما هو ناصر للإسلام ذائد عن حوضه مدافع عنه من المتربصين ومتتبعي الهفوات والثغرات. ونسي أن الله تكفل بحفظ دينه، وأنه حين تكفل بحفظ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير