يقول الشيخ: (واجتياز الإنسان بهذه المراحل الثلاث لا يتم إلا بعد الاستعانة
بأداة، وهذه الأداة هي ما نعنيه بكلمة (المنهج).
مجموعة واحدة من المسلمين تستثنى من الذين اقتضت إرادة الشيخ أن
يخضعهم لهذا البلاء الذي سماه المنهج: أتدري من هم!؟ إنهم أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فقد (كان لهم شرف الاستثناء من هذا الاحتياج طبقاً لما
أوضحناه من قبل) (ص 63 من كتابه المذكور) والحمد لله، أن استثنى الشيخ
بتواضعه الجم الصحابة من أن يخضعوا لجبروت منهجه، وإلا لأصابهم ما أصاب
التابعين وتابعيهم ومن بعدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
إذن فمنهج المعرفة الإسلامية (وهو منهج البوطي) والانضباط بمبادئه وأحكامه
يتكون من ثلاثة أجزاء، كل منها يتكفل بحمل صاحبه إلى ثلث الطريق، ومن
تلاقي هذه الأجزاء الثلاثة متدرجة على الترتيب الذي ذكرناه؟ تتم الرحلة إلى
معرفة الإسلام والانضباط به اعتقاداً وسلوكاً.
وهكذا فقد اتضحت لنا المعادلة بحدودها شاخصة عارية، وهي:
1 - اجتياز المراحل أ، ب، ج + الأداة = شخص يمارس الإسلام يقيناً
وسلوكاً.
2 - اجتياز واحدة من هذه المراحل = ثلث مسلم!
لكن ننبه القارئ الكريم إلى أن في الطرف الأول من المعادلة الأولى وردت
كلمة الأداة وهي منهج البوطي، والمعادلة نفسها كاملة هي المنهج أيضاً، وحتى
يفهمها على وجهها الصحيح لا بد أن نحيله على صمويل بيكيت ومسرحيته (في
انتظار غودو) وإذا استثقل ذلك ورفض الإحالة فنقول له: العلم سر ولا ينفتح
لمن هب ودب، بل لا بد له من استعداد ومواهب من نوع خاص!
وقد وعد المؤلف بأنه سوف يثبت ملخصاً للجزء الأول والثاني من المنهج
(أي مرحلة: أ، ومرحلة: ب) ويدع الجزء الثالث لمصادره المنطقية الخاصة به
(لسنا ندري ماذا يريد بهذه العبارة) ولعلها مما سماه البلاغيون: حشو اللوزينج!
وفي طريقه إلى توضيح الجزء الأول والجزء الثاني من منهجه العتيد يقول
بعبارة مضمخة بالاشمئزاز: (فإن كثيراً من الذين يتحدثون اليوم عن الإسلام
والمسلمين؛ يصرون على تقسيم المسلمين إلى سلفيين وبدعيين وخلفيين؛ زيادة على
الانقسامات المبتدعة المؤسفة التي انتشرت فيما بينهم قد لا يعلمون من هذا المنهج
إلا النزر اليسير، ولعلهم لا يقيمون له وزناً، ولا يرون له وظيفة ولا شأناً)
(ص 64) وتعليقنا على ذلك: الحمد لله على أن هؤلاء كثيرون، وحبذا لو عدل
المؤلف هذه العبارة في الطبعة الثانية لتصبح: (لا يعلمون من هذا المنهج شيئاً، ولا
يقيمون له وزناً، ولا يرون له وظيفة ولا شأناً) فهي أشق لصدره، وأصدق في
وصف حالهم!
إن البوطي حينما يلقي لنفسه العنان وينهد للتنظير والمنهجة [2]؛ يأتي
بالفواقر والأعاجيب، ويوقع قارئه في الحيرة: من أين يبدأ في الرد من البدايات أم
النهايات أم الأواسط؟ ولكنه حينما يعرج على ما يعرفه الناس ويرجع بك إلى
القضايا التي يتحرش بها ليريك علمه وبعد غوره فهو سهل الخطب، مسترخي
الحبل. ولكي يدخلنا في الجد فقد ساق لنا رأيه في خبر الآحاد، وقضية خبر الآحاد
من القضايا المهمة التي تُكُلِّم فيها قبل البوطي كثيراً، وتكاد تكون من أبرز القضايا
التي يتمايز بشأنها المسلمون قديماً وحديثاً، بل نؤكد أنها لب المسائل التي ينقسم
الناس من المسلمين بشأنها إلى قسمين رئيسيين:
1 - قسم يرجع كل أموره إلى كتاب الله وما صح من سنة رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- غير مفرق بين ما صح في مجال العقائد أو الأحكام أو السلوك.
2 - وقسم آخر يعطي لنفسه أو لشيوخه الحق في التحكم والتفريق بين أصناف
الصحيح، فهذا يأخذ به في الأحكام والمعاملات؛ وذاك يهمله لأنه في العقائد، وهو
خبر غير متواتر. لكن المؤلف يعتبر القسم الأول مبتدعاً وجاهلاً وسطحياً وعميلاً
للاستعمار، بينما الذي يتبع منهجه هو المسلم الحق! والموضوعية والعلمية تقتضي
من المؤلف إذا أراد أن يناقش هذه المسألة أن يضع رأيه وحججه واضحة، وينقل
رأي خصمه وحججه واضحة أيضاً، ويحرر مكان الاختلاف ويرد حجج الخصم
بعبارة غير محتملة، فهذا الأمر قضية علمية محددة وليست موضوعاً إنشائياً
فضفاضاً، لكنه لم يفعل شيئاً من هذا واكتفى بعرض رأيه في قضية خبر الآحاد
فقال:
¥