[من ينفخ في الصور]
ـ[عادل القطاوي]ــــــــ[14 - 02 - 08, 12:25 ص]ـ
اشتهر أن الملك الذي ينفخ في الصور هو اسرافيل ..
والحق أنه لم تصح الروايات أن ملك الصور هو اسرافيل عليه السلام، فقد جاءت بذلك روايات ضعيفة، وبعضها منكر .. قال ابن حجر العسقلاني:
تسمية الملك بإسرافيل من حديث إسماعيل بن رافع وهو ضعيف.
قال ابن حجر في التقريب 442: ضعيف الحفظ وقال الذهبي في الكاشف: ضعيف واهٍ.
ولكن السؤال الحقيقي:
هل هو ملك واحد مخصص بالنفخ في الصور؟ أم هما ملكان؟
الأول فيه غالب الأحاديث .. فصح عنه r أنه قال: صاحب الصور واضع الصور على فيه منذ خلق، ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ.
راجع صحيح الجامع 3752 للألباني.
وقال r : كيف أنعم وصاحب الصور قد إلتقمه وأصغى سمعه وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ .. فقالوا يا رسول الله: وما تأمرنا؟
قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
رواه أحمد في المسند عن أبي سعيد الخدري11054 و 11719 وزيد بن أرقم 19560 وابن عباس 3010 ورواه الترمذي 2431 وصححه الألباني.
وقال r : إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان.
راجع السلسلة الصحيحة للألباني 1078.
وقد روى أحمد للثاني بسنده عن أبي مرية عن النبي r - أو عن عبد الله ابن عمرو عن النبي r - قال: النفاخان في السماء الثانية رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب – أو قال رأس أحدهما بالمغرب ورجلاه بالمشرق- ينتظران متى ينفخان في الصور فينفخان.
رواه أحمد 6804 بالشك كما هو مذكور. وسند رواته ثقات إلى عبد الله بن عمرو كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح. وجود إسناده المنذري في الترغيب على الشك في إرساله واتصاله. وضعفه الألباني كما سيأتي.
وفي سنن ابن ماجة من طريق حجاج عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله r : إن صاحبي الصور بأيديهما - أو في أيديهما- قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران ..
رواه ابن ماجة 4273 وسنده ضعيف لتدليس حجاج بن أرطأة وضعف العوفي. وذكر الألباني حديث أحمد في الصحيحة تحت الحديث رقم 1080 واستنكره جداً .. ووجه استنكاره يرجع لأمرين:- الأول أن في طريق أحمد: عن أبي مراية أو ابن عمرو .. وارتضى كلام الهيثمي في إرسال رواية أبو مراية ووصل رواية ابن عمرو .. وقال الألباني: وأبو مراية لا يعرف!
الثاني: مخالفة جميع الرواة الذين رووه على الإفراد بلفظ: صاحب الصور.
وأقول أولاً:- أبو مرية هو أبو مراية عبد الله بن عمرو العجلي روى عن سلمان وعمران ابن حصين وروى عنه قتادة وأسلم العجلي. كما في (الكنى والأسماء 1/ 827 للإمام مسلم والمقتنى في سرد الكنى 2/ 68 للإمام الذهبي والتاريخ الكبير 5/ 154 للإمام البخاري والجرح والتعديل 5/ 118 لابن أبي حاتم). وفي ثقات ابن حبان 6/ 57 في ترجمة أيوب بن عبد الرحمن قال ابن حبان: شيخ يروى عن مالك بن أوس روى عنه أبو مراية العجلي .. ولم يتكلم عليه كما نقله الذهبي في لسان الميزان 1/ 485 برمته عنه. وما ترجم له فيما أعلم إلا ابن سعد في الطبقات الكبرى 7/ 236 فقال: أبو مراية العجلي واسمه عبد الله بن عمرو وكان قليل الحديث .. فأولاً: الرجل تابعي معروف بالرواية كما ذكرنا من المراجع السابقة، وذكروا اثنان من شيوخه هما الصحابيان سلمان وعمران بن حصين رضي الله عنهما، واثنان من الرواة عنه وهما قتادة وأسلم العجلي وهذا على الإجمال لا التفصيل .. وبهذا تعرف دقة قول ابن كثير في النهاية عن أبي مراية هذا: ليس بالمشهور، فهي أدق من قول الألباني: لا يعرف .. والفرق بين واضح.
وثانياً: أنه لم يشار إليه بجرح ولا تعديل، اللهم إلا قول ابن سعد: وكان قليل الحديث، وهو يثبت أنه محدث مع قلته في ذلك .. وفي هذه الحالة لا يجب أن يطرح حديثه بلا حجة ..
وأقول على الأمر الثاني: أنه لا شك في صحة أحاديث الرواة الذين رووها على الإفراد، كما أن رواية الذين رووه على أنهما ملكان – إن صحت - لا تخالف الروايات الأخرى بداهة، وتعليل ذلك بوجوه منها: لما كان عدد النفخات أكثر من واحدة جاز أن يكون النفخ من اثنين .. ومنها: أنه يجوز أن يكون لأحدهما النفخ وللآخر الأمر به .. كما روى الطبراني في المعجم الأوسط (9/ 114 رقم 9283 وحسن إسناده الهيثمي في المجمع 10/ 331 والمنذري في الترغيب والترهيب كتاب البعث واستنكره الألباني في ضعيف الترغيب) عن كعب الأحبار في وجود عائشة أم المؤمنين قال في كلام له عن اسرافيل: وملك الصور جاث على إحدى ركبتيه وقد نصبت الأخرى فالتقم الصور محني ظهره شاخص بصره إلى اسرافيل وقد أمر إذا رأى اسرافيل قد ضم جناحه أن ينفخ في الصور، فقالت عائشة هكذا سمعت رسول الله r يقول.
وقد دل هذا الأثر – إن صح - أن النفخ في الصور ليس من الفعل المباشر لاسرافيل وإن كان بأمره، كما دل صراحة أن عملية النفخ في الصور من فعل ملكين أحدهما آمر وهو اسرافيل والآخر النافخ وهو الملك المبهم ..
أما عن صحة الرواية في أنهما ملكان فقد جاء في المسند من طريق أبو مراية، وعند ابن ماجة من طريق العوفي، وأخرجه الحاكم 8679 – 4/ 604 عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ:
وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان .. وتفرد به خارجة بن مصعب وهو متروك .. وفي الزهد لهناد: عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة قال: ما من صباح إلا وملكان موكلان يقولان: يا طالب الخير أقبل ويا طالب الشر أقصر، وملكان موكلان يقولان سبحان القدوس، وملكان موكلان بالصور. وبسند هناد وابن المبارك في الزهد لهما عن كعب قال: ما من صباح إلا وملكان يناديان اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا وملكان يناديان ياباغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر وملكان يناديان سبحان الملك القدوس وملكان موكلان بالصور ينتظران متى يؤمران فينفخان. رواهما هناد السري في كتاب الزهد له 1/ 339 وسندهما صحيح كما قال ابن حجر في الفتح. ورواية كعب في زهد ابن المبارك 1/ 378 أيضاً .. فجميع هذه الروايات يثبت أن لها أصلاٍ .. والعلم عند الله تعالى.
وبهذه الشواهد مجموعة يمكن أن يكون النفخ في الصور على الأكثر من فعل ملكين اثنين إن صحت الأحاديث المذكورة فيه، والله أعلم ..
¥