المذكور بأنه سمع من المفضل بن محمد الضبي. ونقلها عنه محقق الجمهرة طبعة دار صادر؛ وهي الطبعة التي كان د المطعني يرجع إليها , فأخذ د. المطعني تلك الكلمة , فادَّعاها لنفسه , ووصلها بكلامه , ولم يردَّها إلى قائلها , وأوهم أنه نقل أقوالهم , ثم رجَّح بينها بذلك؛ وقوله: وأبو زيد هذا توفي عام 170هـ على الصحيح؛ لأنه تحديد قام عليه الدليل اهـ هو أفحش خطأ من قوله إنه من أهل القرن الثاني , ولو كان أبو زيد سمع من المفضَّل الضبي؛ وقيل: مات المفضل سنة إحدى وسبعين ومائة (171هـ) (28). كما زعم بطرس البستاني , فما الدليل على أن أبا زيد مات قبله أو مات في نفس السنة التي مات فيها؟! وأبوزيد القرشي نقل كلمة أبي عبيدة؛ فالمجاز عند أبي زيد القرشي هو المجاز عند أبي عبيدة التيمي؛ والمجاز عند أبي عبيدة ليس هو المجاز الذي تكلم فيه بعد ذلك أبو عبد الله البصري المعتزلي وغيره؛ ولا هو المجاز الذي سماه د. المطعني المجاز الفني الاصطلاحي؛ وابن تيمية – رحمه الله لم ينكر أن يكون القول بالمجاز ظهر في آخر المائة الثانية , بل أقر به؛ وقوله إنه اصطلاحٌ حادث بعد القرون الثلاثة الأولى , أراد به الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فهو يريد بالقرن الجيل من الناس؛ وبين من كلام ابن تيمية أنه يفرِّق بين القرن من الناس , والمائة من السنين , فهو قال إن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز حدث بعد القرون الثلاثة الأولى؛ وقال: إن أوائله ظهرت في المائة الثالثة؛ فالقرن في كلامه هو الجيل من الناس , وليس المائة من السنين؛ والقرون الفاضلة عنده , هم الصحابة والتابعون وتابعيهم؛ وهو يأخذ في ذلك بحديث: ((خير القرون قرني , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم يفشو الكذب .. )) الحديث؛ والقرن في ذلك الحديث هو الجيل من الناس؛ وليس المائة من السنين.
فذلك القول الذي فرح به د. المطعني وأصرَّ عليه , وذكره في خمسة مواضع من كتابه , وحسب أنه سبق به الناس , كله خطأ باطل , وأبو زيد القرشي لم يمت عام 170هـ , لا على الصحيح , ولا على المرجَّح , ولا على شيء , ولا كان يومئذ شيئاً مذكوراً , وعلى الصحيح , وعلى المرجح هي من ألفاظ النووي رحمه الله في نقله لمذهب الشافعية , وعنه شاعت تلك الألفاظ في المتأخرين منهم؛ فأخذ د. المطعني تلك الألفاظ من فقهاء الشافعية؛ أو لعلها عقلت بلسانه من كتب الأزهرية؛ فخلطها بكلامه في المجاز , ووضعها غير مواضعها؛ وعلى الصحيح يدل على أن غيره باطلٌ , وعلى المرجَّح يدل على أن غيره ليس باطلاً , ولكنه أرجح منه وأقوى؛ وكذلك الاستفاضة من ألفاظ المحدثين أخذها د. المطعني ,ووضعها غير موضعها؛ وتكرار لفظة واحدة في كتاب واحد مائة ألف مرة أو أكثر منها , ليس عند المحدثين من الاستفاضة؛ بل لعل رواة كتاب المجاز عن أبي عبيدة كلهم لا تبلغ عدتهم حدَّ الاستفاضة؛ بل لعل رواة كتاب المجاز عن أبي عبيدة كلهم لا تبلغ عدتهم حد الاستفاضة عند كثير من القائلين بها , والكتاب يروى عن أبي عبيدة رواية آحاد؛ وإذا كان د. المطعني يعلم أن أبا زيد لم يذكر لفظ المجاز إلا مرتين اثنتين لا ثالث لهما , وأنه ذكر مضافاً إلى المعاني وليس إلى الألفاظ , فلم قال: ورد مصطلح المجاز عنده أكثر من مرة! ولم يقل: ورد مرتين اثنتين؟! ولفظ أكثر من مرة يوهم أنها مرات كثيرة وليست اثنتين وليس الأمر كذلك وليس ذلك من صدق النصيحة ...
=======
الحواشي:
(1) ((المجاز في اللغة والقرآن)) (ص 147)
(2) ((المجاز في اللغة والقرآن)) (ص 649)
(3) ((المجاز في اللغة والقرآن)) (1054)
(4) ((المجاز في اللغة والقرآن)) (1074)
(5) ((المجاز في اللغة والقرآن)) (ص 1080 - 1081)
(6) أريد روى عنه بالسماع منه , أو الإسناد المتصل إليه , ولكن نقل بعضهم من تلك الجمهرة بغير إسناد ولا زاوية.
(7) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص 55, 56, 58 , 80 - 81 - فيها موضعان , 82 - فيها ثلاثة مواضع)
(8) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص 45)
(9) ((جمهرة أشعار العرب)) (57)
(10) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص 67)
(11) ((جمهرة أشعار العرب)) ص (10)
(12) انظر ما كتبه د. محمد بن فؤاد سزكين في مقدمة تحقيقه لـ ((مجاز القرآن))
(13) ((جمهرة أشعار العرب)) ص (30, 33, 57, 59)
(14) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص29, 31, 37)
(15) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص 26, 27, 34,47)
(16) ((جمهرة أشعار العرب)) (ص10 هامش رقم 1)
(17) ((تاريخ آداب اللغة العربية)) 2/ 110 , رقم (6) , وهامش رقم (2) من نفس الصفحة.
(18) ((مقدمة جمهرة أشعار العرب)) ص 5 , ط. دار صادر بيروت
(19) ((هدية العارفين)) 2/ 8 , و ((إيضاح المكنون)) 1/ 368
(20) ((فهرست الكبتخانة الخديوية)) 4/ 224
(21) ((فهرت دار الكتب المصرية)) 3/ 76 نقلاً عن فهرست الخديوية
(22) ((فهرست المكتبة الأزهرية)) 5/ 64
(23) ((معجم المطبوعات العربية والمعربة)) , يوسف أليان سركس 1/ 313
(24) مقدمة ((جمهرة أشعار العرب)) ط. دار بيروت بيروت
(25) ((الأعلام)) 6/ 114
(26) ((معجم المؤلفين)) 9/ 281
(27) لفظ التلقي الفجِّ هو لفظ المطعني نفسه في خطبة كتاب ((المجاز))
(28) قال الذهبي في ((تاريخ الإسلام)) و ((ميزان الاعتدال)): توفي المفضل سنة 168هـ , وتبعه ابن الجوزيِّ في ((طبقات القراء)) , وقال ابن تغري بردي في ((النجوم الزاهرة)) ,توفي سنة 171هـ وبه أخذ بطرس البستاني , وقال أحمد شاكر , وعبد السلام هارون في مقدِّمة ((ديوان المفضليات)) إن كلا هذين القولين خطأ , ولعل الصواب أنه توفي سنة 178 هـ