وأما قولك: فهذا ما أنت ملزم بإقامة الدليل عليه، إما ان تأتي بنص صريح للسلف الصالح في عد تلك الآية من آيات الصفات وإثبات الوجه الحقيقي من خلال تفسيرها. فالتزاما مني للمنهج العلمي في الحوار -رغم ما لمزتني به من قبل- وامتثالا للأمر بالمجادلة بالتي هي أحسن فسوف أنقل أقوال مَن عدّ هذه الآية من آيات الصفات من أئمة أهل السنة قبل شيخ الإسلام وهم كثير، لتعلم أني متبع للدليل ولست مبتدعا للقول بغير علم، وأني منتصر للحق ولست منتقصا لشيخ الإسلام، فمنهم:
1 - الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله
قال ابنه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (2/ 512):
1202 - وجدت في كتاب أبي بخط يده مما يحتج به على الجهمية من القرآن الكريم .... وفي البقرة {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم}
2 - الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله
قال في نقضه على بشر المريسي (2/ 709):
وسنذكر في ذكر الوجه آيات وآثارا مسندة ليعرضها أهل المعرفة بالله على تفسيرك هل يحتمل شيئا منها شيء منه فإن كنت لا تؤمن بها فخير منك وأطيب من عباد الله المؤنين من قد آمن بها وأيقن، قال الله تعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} {كل شيء هالك إلا وجهه} {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} {فأينما تولوا فثم وجه الله} {إنما نطعمكم لوجه الله} فالخيبة لمن كفر بهذه الآيات كلها أنها ليست بوجه الله نفسه
3 - الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله
قال في كتاب التوحيد (1/ 25):
وقال {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} فأثبت الله لنفسه وجها
وقال في (1/ 38):
ونبينا قد أعلم أمته ما أمر الله عز و جل به يحيى بن زكريا عليهما السلام أن يأمر به بني إسرائيل لتعلم وتستيقن أمته أن لله وجها يقبل به على وجه المصلي له كما أوحى إليه فيما أنزل عليه من الفرقان {فأينما تولوا} -أى بصلاتكم- {فثم وجه الله}
4 - الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة
قال في كتاب الإبانة (3/ 319):
الله عز و جل وصف نفسه بما شاء ثم وصف خلقه بمثل تلك الصفات في الأسماء والصفات واحدة وليس الموصوف بها مثله، قال الله عز وجل {فأينما تولوا فثم وجه الله} و {كل شيء هالك إلا وجهه} وقال {فولوا وجوهكم شطره} فذكر لنفسه وجها وذكر لخلقه وجوها
..........
وهناك غيرهم كثير، وقد تابعهم أئمة أهل السنة بعد شيخ الإسلام أيضا وسأقتصر على ذكر كلام واحد منهم فقط لشدّة صلته بابن تيمية ألا وهو خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم؛ لتعلم أن أئمة السلفية هم أكثر الناس حرصا على اتباع الحق وليس تقليد الرجال، وأن الحق أحب إلينا من كل أحد، وأن منهجنا أن كلا يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}
فقد نقل صاحب شرح قصيدة ابن القيم (2/ 303 - 307) كلام الإمام ابن القيم في الصواعق -وهو أوعب ما وجدته في الكلام على هذه الآية-:
الصحيح في قوله {فثم وجه الله} أنه كقوله في سائر الآيات التي فيها ذكر الوجه فإنه قد اطرد مجيئة في القرآن والسنة مضافا الى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكره في سورة البقرة وهو قوله {فثم وجه الله} وهذا لا يتعين حمله على القبلة أو الجهة ولا يمنع أن يراد به وجه الرب حقيقة فحمله على موارده ونظائره كلها أولى
ومنها أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له نعم القبلة تسمى وجهة كما قال تعالى {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا} وقد تسمى "جهة" وأصلها "وجهة" لكن أُعلَّت بحذف "فائها" كـ "زنة" و "عدة" وإنما سميت قبلة و وجهة؛ لأن الرجل يقابلها ويواجهها بوجهه، وأما تسميتها وجها فلا عهد به فكيف إذا أضيف إلى الله تعالى مع أنه لا يعرف تسمية القبلة وجهة الله في شيء من الكلام مع أنها تسمى وجهة فكيف يطلق عليها وجه الله ولا يعرف تسميتها وجها، وايضا فمن المعلوم أن قبلة الله التي نصبها لعباده هي قبلة واحدة وهي القبلة التي أمر الله عباده أن يتوجهوا اليها حيث كانوا لا كل جهة يولي وجهه اليها
¥