تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد نبّه المولى جل وعلا على هذا في الآية الكريمة؛ فقال سبحانه وتعالى: ((ولا يؤمن بالله واليوم الآخر)) فالمنان هنا يريد المصلحة الدنيوية، بعكس الذي يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فإنه يريد الآخرة لا الدنيا.

وأعتذر إن الكلام مختصراً، فالوقت ضيق، ولعل الأخوة يتحفونا بالزيادة، والله تعالى أعلم.

ـ[حمد بن صالح المري]ــــــــ[20 - 05 - 08, 08:36 ص]ـ

وجدتُ كلاماً لابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ((الوابل الصيب) يقول فيه رحمه الله:

"فان قيل: فإذا تاب هذا هل يعود اليه ثواب العمل؟ قيل: إن كان قد عمله لغير الله تعالى وأوقعه بهذه النية فإنه لا ينقلب صالحا بالتوبة؛ بل حسب التوبة أن تمحو عنه عقابه؛ فيصير لا له ولا عليه، وأما إن عمله لله تعالى خالصا ثم عرض له عجب ورياء أو تحدث به ثم تاب من ذلك وندم فهذا قد يعود له ثواب عمله ولا يحبط، وقد يقال: إنه لا يعود إليه بل يستأنف العمل. والمسألة مبنية على أصل؛ وهو أن الردة هل تحبط العمل بمجردها أو لا يحبطه إلا الموت عليها؟ فيه للعلماء قولان مشهوران، وهما روايتان عن الإمام أحمد رضي الله عنه، فإن قلنا تحبط العمل بنفسها فمتى استلم استأنف العمل، وبطل ما كان قد عمل قبل الإسلام، وإن قلنا لا يحبط العمل الإ اذا مات مرتدا فمتى عاد الى الإسلام عاد إليه ثواب عمله وهكذا العبد إذا فعل حسنة ثم فعل سيئة تحبطها ثم تاب من تلك السيئة هل يعود إليه ثواب تلك الحسنة المتقدمة يخرج على هذا الاصل.

ولم يزل في نفسي من هذه المسألة ولم أزل حريصا على الصواب فيها وما رأيت أحدا شفي فيها، والذي يظهر - والله تعالى أعلم وبه المستعان ولا قوة الإ به- أن الحسنات والسيئات تتدافع وتتقابل ويكون الحكم فيها للغالب وهو يقهر المغلوبون ويكون الحكم له حتى كان المغلوب لم يكن فاذا غلبت على العبد الحسنات رفعت حسناته الكثيرة سيئاته ومتى تاب من السيئة ترتب على توبته منها حسنات كثيرة قد تربي وتزيد على الحسنة التي حبطت بالسيئة فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فان التائب من الذنب لا ذنب له، وقد سأل حكيم بن حزام رضي الله عنه النبي عن عتاقة وصلة وبر فعله في الشرك هل يثاب عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما أسلفت من خير فهذا يقتضي أن الإسلام أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك فلما تاب من الشرك عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته يوضح هذا أن السيئات والذنوب هي أمراض قلبية كما أن الحمى والأوجاع أمراض بدنية، والمريض إذا عوفي من مرضه عافية تامة عادت إليه قوته وأفضل منها؛ حتى كأنه لم يضعف قط فالقوة المتقدمة بمنزلة الحسنات والمرض بمنزلة الذنوب والصحة والعافية بمنزلة التوبة وكما أن المريض من لاتعود إليه صحته أبدا لضعف عافيته ومنهم من تعود صحته كما كانت لتقاوم الأسباب وتدافعها ويعود البدن إلى كماله الأول ومنهم من يعود أصح مما كان وأقوى وأنشط لقوة أسباب العافية وقهرها وغلبتها لأسباب الضعف والمرض حتى ربما كأن مرض هذا سببا لعافيته كما قال الشاعر: لعل عتبك محمود عواقبه % وربما صحت الاجسام بالعلل

فهكذا العبد بعد التوبة على هذه المنازل الثلاث والله الموفق لا اله غيره ولا رب سواه"

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير