هذا مع أن أهل السنة والجماعة لايكفرون أهل البدع من أصحاب الصلاة، إذا كانوا متأولين ومن تجرد كلامه عن التأويل وكان مذهبه على سبيل المحاداة والمعاندة للدين يكفر، لكنه قد يعامل معاملة المنافق ظاهرا، ولهم تفصيل يدل على أنهم أصحاب القسطاس المستقيم.
التخبط في مسألة التكفير عند المرجئة ص 544:
ومن أفسد الأصول التي بناها المرجئة على هذا الاعتقاد، أي انحصار الإيمان في التصديق القلبي وحده، أنهم حصروا الكفر في التكذيب القلبي أيضا حتى إنهم لم يعتبروا الأعمال الكفرية كالسجود للصنم، وإهانة المصحف، وسب الرسول ? إلا دلالات على انتفاء التصديق القلبي، وليست مكفرة بذاتها.
وكان لهذه العقيدة آثار عميقة المدى على الأمة، بل هي في عصرنا هذا أساس للضلال والتخبط الواقع في مسألة التكفير، ومنها نشأ التوسع في استخدام " شرط الاستحلال " حتى اشترطوه في أعمال الكفر الصريحة؛ كإهانة المصحف، وسب الرسول ? وإلغاء شريعة الله، فقالوا: لا يكفر فاعلها إلا إذا كان مستحلا بقلبه!! واشترط بعضهم مساءلة المرتد قبل الحكم عليه، فإن أقر أنه يعتقد أن فعله كفر كُفر، وإن قال: إنه مصدق بقلبه ويعتقد أن الإسلام أفضل مما هو عليه من الردة لم يكفروه.
التكفير عند الأشاعرة ص 545:
أنهم – المرجئة - حصروا الكفر في التكذيب القلبي أيضا حتى إنهم لم يعتبروا الأعمال الكفرية كالسجود للصنم، وإهانة المصحف، وسب الرسول ? إلا دلالات على انتفاء التصديق القلبي، وليست مكفرة بذاتها.
قال المؤلف في الحاشية:
وهذا من الأصول الثابتة في مذهب الأشاعرة قديما وحديثا، ومن أعظم الرد عليهم أن الأشعري نفسه في المقالات ذكر هذه الأقوال نفسها عن فرق المرجئة، كالجهمية، والصالحية والمريسية، وهذا يدل على صحة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية مرارا، وما استنتجناه من بحثنا هذا وهو أن الأشاعرة على مذهب جهم والصالحي وإن غيروا قليلا.
من ضوابط التكفير التفريق بين من يطيع محبة ورضا، وبين من يطيع إكراها وقهرا ص 587:
والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته وكمال الذل ونهايته، فالمحبوب الذي يعظم ولا يذل له لا يكون معبودا، والمعظم الذي لا يحب لا يكون معبودا.
قال المؤلف في الحاشية: وهذا مما يفرق به بين حكم أتباع طواغيت التدين والخرافة، و أتباع طواغيت الحكم المرتدين (أي في الحكم الظاهر في الدنيا لا ما عند الله) فإن أتباع الأحبار والرهبان ونحوهم كمشايخ الطرق الغلاة، وأئمة الفرق الدينية المرتدة يتبعون رؤساءهم تدينا وتعبدا، فيجمعون لهم بين التعظيم والمحبة والذل والطاعة، فلهذا كان عملهم ذلك شركا في الربوبية، وسمى الله تعالى متبوعيهم أربابا فقال (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)، ومن هنا استوى حكم الأتباع مع حكم المتبوعين في الكفر والضلال.
وهذا بخلاف أتباع طواغيت الحكم والقهر، فإن شبهة الإكراه في حقهم واضحة، والله تعالى لم يخبر عن فرعون وأمثاله أن قومه اتخذوه ربا وعبدوه كما أخبر عن الأحبار والرهبان، وإنما أخبر أنه هو ادعى الربوبية، وأما قوله تعالى (فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) فمعناه خاضعون خضوعا لا يلزم منه المحبة والتعظيم، بل كانوا يسومونهم سوء العذاب ويذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، فأتباع طواغيت القهر المرتدين دعوى الإكراه منهم أو الإعذار به من غيرهم لها وجه؛ لأن تسلطهم وجبروتهم يستدعي أن يقدم الأتباع لهم الطاعة والذل وإظهار الموافقة، مع احتمال إبطان الكره والبغض، ولهذا قد تنتهي العبودية لهم بانتهاء دولتهم، كما حصل في مصر حين حكمها صلاح الدين، فانتقل أهلها من إظهار الرفض والزندقة إلى الإسلام والسنة دون عناء، فتكفير هؤلاء الأتباع مطلقا غلو وإسراف.
أما من جمع منهم بين المحبة والذل والتعظيم للطواغيت، فهذا موافق لهم على ردتهم وحكمه حكمهم بلا خفاء، ولكن معرفة ذلك على الحقيقة ليس بالأمر اليسير بالنسبة لكل أحد من الأتباع؛ لاشتباهه واختلاطه بمن يتبعهم هوى وشهوة.
¥