تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالرب لا يوالي عبده من ذل كما يوالي المخلوق لغيره بل يواليه إحسانا إليه والولي من الولاية والولاية ضد العداوة وأصل الولاية الحب وأصل العداوة البغض وإذا قيل هو مأخوذ من الولي وهو القرب فهذا جزء معناه فإن الولي يقرب إلى وليه والعدو يبعد عن عدوه ولما كانت الخلة تستلزم كمال المحبة واستيعاب القلب لم يصلح للنبي صلى الله عليه و سلم أن يخالل مخلوقا بل قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله ولهذا امتحن الله إبراهيم بذبح ابنه والذبيح على القول الصحيح ابنه الكبير إسماعيل كما دلت على ذلك سورة الصافات وغير ذلك فإنه قد كان سأل ربه أن يهب له من الصالحين فبشره بالغلام الحليم إسماعيل فلما بلغ معه السعي أمره أن يذبحه لئلا يبقى في قلبه محبة مخلوق تزاحم محبة الخالق إذ كان قد طلبه وهو بكره

وكذلك في التوراة يقول اذبح ابنك وحيدك وفي ترجمة أخرى بكرك ولكن ألحق المبدلون لفظ إسحاق وهو باطل فإن إسحاق هو الثاني من أولاده باتفاق المسلمين وأهل الكتاب فليس هو وحيده ولا بكره وإنما وحيده وبكره إسماعيل

ولهذا لما ذكر الله قصة الذبيح في القرآن قال بعد هذا وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين سورة الصافات 112 وقال في الآية الأخرى فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب سورة هود 71 فكيف يبشره بولد ثم يأمره بذبحه

والبشارة بإسحاق وقعت لسارة وكانت قد غادرت من هاجر لما ولدت إسماعيل وأمر الله إبراهيم أن يذهب بإسماعيل وأمه إلى مكة ثم لما جاء الضيف وهم الملائكة لإبراهيم بشروها بإسحاق فكيف يأمره بذبح إسحاق مع بقاء إسماعيل

وهي لم تصبر على وجود إسماعيل وحده بل غارت أن يكون له ابن من غيرهما فكيف تصبر على ذبح ابنها وبقاء ابن ضرتها وكيف يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه وأمه مبشرة به وبابن ابنه يعقوب وأيضا فالذبح إنما كان بمكة وقد رأى النبي صلى الله عليه و سلم قرني الكبش في البيت فقال للحاجب إني رأيت قرني الكبش في الكعبة فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في الكعبة شيء يلهي المصلي وإبراهيم وإسماعيل هما اللذان بنيا الكعبة بنص القرآن وإسحاق كان في الشام والمقصود بالأمر بالذبح أن لا يبقى في قلبه محبة لغير الله تعالى وهذا إذا كان له ابن واحد فإذا صار له ابنان فالمقصود لا يحصل إلا بذبحهما جميعا وكل من قال إنه إسحاق فإنما أخذه عن اليهود أهل التحريف والتبديل كما أخبر الله تعالى عنهم وقد بسطنا هذه المسألة في مصنف مفرد

والمقصود هنا أن الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيدا فلا يجوز أن يكون في أمة محمد صلى الله عليه و سلم من هو أكمل توحيدا من نبي من الأنبياء فضلا عن الرسل فضلا عن أولي العزم فضلا عن الخليلين

وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا بل يبقى العبد مواليا لربه في كل شيء يحب ما أحب ويبغض ما أبغض ويرضى بما رضي ويسخط بما سخط ويأمر بما أمر وينهى عما نهى

وأما التوحيد الثاني الذي ذكره وسماه توحيد الخاصة فهو الفناء في توحيد الربوبية وهو أن يشهد ربوبية الرب لكل ما سواه وأنه وحده رب كل شيء ومليكه والفناء إذا كان في توحيد الألوهية وهو أن يستولي على القلب شهود معبوده وذكره ومحبته حتى لا يحس بشيء آخر مع العلم بثبوت ما أثبته الحق من الأسباب والحكم وعبادته وحده لا شريك له بالأمر والنهي ولكن غلب على القلب شهود الواحد كما يقال غاب بموجوده عن وجوده وبمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته

كما يذكر أن رجلا كان يحب آخر فوقع المحبوب في اليم فألقى المحب نفسه خلفه فقال له أنا وقعت فلماذا وقعت أنت فقال غبت بك عني فظننت أن أني فصاحب هذا الفناء إذا غلب في ذلك فهو معذور لعجزه عند غلبة ذكر الرب على قلبه عن شعوره بشئ آخر كما يعذر من سمع الحق فمات أو غشي عليه وكما عذر موسى صلى الله عليه و سلم لما صعق حين تجلى ربه للجبل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير