وقال رحمه الله تعالى في موضع آخر: "واذا عم الحرام قطرا بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادرا فانه يجوز استعمال ما يحتاج اليه ولا يقتصر على الضرورة قال الامام ولا يتبسط فيه كما يتبسط فى الحلال بل يقتصر على قدر الحاجة"
وقد عرف هو الحاجة نقلا عن بعضهم مما يجعلك تشتغرب كل الغرابة فقال رحمه الله تعالى: "جعل بعضهم المراتب خمسة ضرورة وحاجة ومنفعة وزينة وفضول
فالضرورة
بلوغه حدا ان لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقى جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه عضو وهذا يبيح تناول المحرم
والحاجة
كالجائع الذى لو لم يجد ما يأكل لم يهلك غير أنه يكون فى جهد ومشقة وهذا لا يبيح المحرم
وأما المنفعة
فكالذى يشتهى خبز الحنطة ولحم الغنموالطعام والطعام الدسم
وأما الزينة
فكالمشتهى الحلو المتخذ من المتخذ من اللوز والسكر والثوب المنسوج من حرير وكتان
واما الفضول
فهو التوسع بأكل الحرام أو الشبهة كمن يريد استعمال أوانى الذهب أو شرب الخمر إذا علمت هذا فللقنوع مرتبتان
أحداهما يقنع بدفع الحاجة فلا يأكل إلا عند الجوع بقدر ما يدفعه ولا يميز بين دافع ودافع
ودوانها مرتبة من يقنع باستيقاء المنفعة فيأكل الطيب ولكن لا فرق بين صنف وصنف فاذا اشتهى الحلو استوى عنده الدبس والسكر واذا أراد اللبس استوى عنده القطن والصوف
وأما من دونه وهو القنوع بسد الرمق الصابر على مضض الجوع وكان القانع يستر وجه الحاجة بستر خفيف كما أن المقنعة تستر وجه لابسها بعض الستر ولا يقال لمن جلس خلف حائط من الشمس أنه تقنع بالحائط قاعدة - ما ابيح للضرورة يقدر بقدرها -
ومن ثم لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق"
وقد أبدع الشاطبيّ رحمه الله تعالى لما قسم الحاجات إلى أقسام فقال: "لمسألة الثانية عشرة
ما أصله الإباحة للحاجة أو الضرورة إلا أنه يتجاذبه العوارض المضادة لأصل الإباحة وقوعا أو توقعا هل يكر على أصل الإباحة بالنقض أولا هذا محل نظر واشكال والقول فيه أنه لا يخلوا إما أن يضطر إلى ذلك المباح أم لا وإذا لم يضطر إليه فإما أن يلحقه بتركه حرج أم لا فهذه أقسام ثلاثة
أحدها أن يضطر إلى فعل ذلك المباح فلا بد من الرجوع إلى ذلك ..... [إلى أن قال:] القسم الثاني أن لا يضطر إليه ولكن يلحقه بالترك حرج فالنظر يقتضي الرجوع إلى أصل الإباحة وترك اعتبار الطوارئ إذ الممنوعات قد أبيحت رفعا للحرج كما سيأتي لإبن العربي في دخول الحمام وكما إذا كثرت المناكر في الطرق والأسواق فلا يمنع ذلك التصرف في الحاجات إذا كان الإمتناع من التصرف حرجا بينا وما جعل عليكم في الدين حرج وقد أبيح الممنوع رفعا للحرج كالقرض الذي فيه بيع للفضة بالفضة ليس يدا بيد وإباحة العرايا"
أقف هنا أحبتي في الله، وهذا ميدان فسيح كما قلت ولو تسنى لي الوقت لقت فيه قولا عجيبا ولذهبت فيه مذهبا فريدا، لكنني أكتفي هنا بما قد أبنت واللبيب من الإشارة يفهم.
ـ[حذيفة الفلسطيني]ــــــــ[03 - 12 - 08, 10:43 م]ـ
بارك الله فيك كلام نفيس في الأصول والتأصيل
ـ[نايف أبو محمد]ــــــــ[04 - 12 - 08, 03:26 ص]ـ
بارك الله في الجميع
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[26 - 12 - 08, 10:06 ص]ـ
فمثل هذا لا يُباحُ إلا عند الضرورة،
بارك الله فيك = لايباح عند الضرورة
ولعل المشرف يحذفها
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[29 - 12 - 08, 02:32 م]ـ
رائع بارك الله فيك.
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[30 - 12 - 08, 01:48 ص]ـ
الحاجة الماسة في حق الجماعة تنزل منزلة الضرورة في حق الفرد الواحد، لأنك لو انتظرت الجماعة حتى تصل إلى حال الضرورة لكي تعطى الرخصة لهلك كثير من الأفراد قبل أن تصلهم الرخصة أو يسمعوا بها،
لكن في حق الفرد الواحد فلا يرخص له إلا في حالة الضرورة، إلا إذا اندرج حاله ومشكلته فيما أُفتي به كرخصة في حق الجماعة،
طبعا هنا الضرورة بمعناها الشرعي لا بمعناها الأصولي ولا بمعناها الفقهي الموسع فانتبه
قال إمام الحرمين في غياث الأمم:
"بل الحاجة في حق الناس كافة تنزل منزلة الضرورة في حق الواحد المضطر فان الواحد المضطر لو صابر ضرورته ولم يتعاط الميتة لهلك ولو صابر الناس حاجاتهم وتعدوها إلى الضرورة لهلك الناس قاطبة ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك ما في تعدى الضرورة في حق الآحاد فافهموا ترشسدوا"
ـ[مصطفى الفاسي]ــــــــ[30 - 12 - 08, 03:19 ص]ـ
السلام عليكم
أنا آسف
لأنني كتبت ما كتبت ولم أقرأ ما كتبه الشيخ القرطاس مذهبي في مداخلته
أرجو المعذرة
مصطفى