[فهم النظائر وتربية ملكة التعليل]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[01 - 04 - 09, 05:12 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
المسلمون مكلفون بعبادة الله الواحد الأحد
والتكليف مراده الامتثال والطاعة
وإن من تدبر أسرار القرآن فى إيضاح حقيقة الإسلام ليجد الارتباط الوثيق الجوهرى بينه وبين الإحسان
ففي الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال:
بينما نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبى صلى الله عليه وسلم: فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد: أخبرنى عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا.
قال: صدقت.
قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه.
قال: فأخبرنى عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال صدقت.
قال: فأخبرنى عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك قال: صدقت
قال: فأخبرنى عن الساعة؟ قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرنى عن أماراتها
قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون فى البنيان.
قال: ثم انطلق فلبثت مليا، ثم قال لى: يا عمر أتدرى من السائل؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم).
واقول: إنه يستفاد من هذا الحديث الشريف الجامع- الذى قال عنه الإمام النووى فى شرحه" هو أصل الإسلام"جملة أمور: منها:
أولاً: أن هذا الدين الإسلامي الحنيف يشتمل على ثلاثة أركان ومقامات، فلا يكمل الدين إلا باستجماعها جميعا، وإذا اختل أحدها يكون الدين ناقصا غير تام ولا مكتمل ألا وهى: الإسلام، والإيمان، والإحسان.
وثانيا: أن الإسلام أصله الانقياد والاستسلام الظاهرى، ولايقبل شرعا إلا بالإيمان الذى هو التصديق القلبى، والإيمان من أعمال القلوب.
وثالثاً: أنه لا تتم صحة الإسلام والإيمان وجنى ثمرتهما واكتمالهما على الحقيقة إلا بمقام الإحسان الذي هو" أن تعبد الله كأنك تراه". فإنه يشتمل على روح الإسلام والإيمان من الإخلاص.
وفى تقرير مقام (الإحسان) يقول شيخ الأزهر عبد الله الشرقاوى فى شرح هذا الحديث:" والإحسان فى الأصل: إتقان العمل، أو: إيصال النفع للغير؛ يقال: أحسنت كذا إذا أتقنته، وأحسنت إلى فلان: إذا أوصلت النفع إليه، وهو فى الحديث بالمعنى الأول؛ فإنه يرجع إلى إتقان العبادة، أى الإخلاص ومراعاة الخشوع والخضوع والافتقار وأنت تلتجأ الى الله الواحد القهار، وتستحضر قلبك في جل تعبداتك.
وبقوله فى الحديث الآخر "وجعلت قرة عينى فى الصلاة" أى حصول الاستلذاذ بالطاعة؛ بسبب انسداد مسالك الالتفات إلى الغير.
ومن تعاريف الفقه أنه العلم الذي يفقهك بالأحكام الشرعية كل حكم على حدته مما يجب على المكلف تطبيقه في عبادته ومعاملاته طبقا لما ورد عن المشرع الأعظم.
ومن مقاصد الاسلام أنه يسمو بالنفوس ويهذبها من كل غائل، والملاحظ أن هناك حكم جلية في الأحكام التعبدية فقد تحفظ ألفاظها دون تحريك الفكر في التماس عللها وطلب حكمها.
ويجب الاستدلال بالسنة القولية والفعلية التي تقرن المسائل والأمور الفقهية وتبين حكمة الشارع منها.
وما كان العلم بمقاصد الشرع أعمق وأجلى الا وتعمقت المعارف ووظفت في تهذيب سلوكيات أفراده وساهم ذلك في اصلاح مجتمعهم بتتبع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم والذي هو نبراس للمؤمنين.
والجهل بمقاصد الشرع جوهرا ومعنى قد يؤدي الى الاخلال في الفهم وتدني الأخلاق كما نرى في مجتمعاتنا المليئة بالمتناقضات والمتغيرات، أما التقليد فقد حذر منه أهل العلم.
والمسلم قوي في ايمانه يحفظ الأمانة على عاتقه بما هو مكلف اعتمادا على علمه ورشده وثقة بربه راضيا مرضيا مستكينا لطاعته، ويسعى الى النهج السليم والقويم في حياته.
فهو يساهم كفرد في بناء مجتمعه بقلب لين وسليم ومعافى من كل قسوة قد تعصف به، ويكون عبدا صالحا يؤدي ما عليه من تكاليف بحب ووجل.
ويجب الاعتبار بفهم النظائر وتبين العلل والأسباب لتربية ملكة التعليل وفهم المعاني والمقاصد، لأن الغفلة عن الأسباب تعتبر أحد المهلكات وتؤدي الى الحيرة والاضطراب وموت العزم.