[الترجيح وبناء الأقيسة الصحيحة]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[30 - 03 - 09, 10:55 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
المقياس الصحيح للترجيح هو ما حملته الشريعة الينا أو ما كان على نهجها ومقاصدها، فالترجيح وارد بين الصفات كما هو وارد في الذوات والأشخاص بل حتى بين الرسل والأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم.
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) الآية
كما أن التعارض والترجيح والتعادل وارد في الأحكام الشرعية، وهو من الأبواب التي تفتح آفاقا كبرى في السعي الى تهذيب حياة الناس والراجح السليم في خضم التناقضات الحياتية المعاصرة.
والترجيحات تعتبر من الأبواب المهمة لرجال الفقه والى كل ذي نظر في أي علم من العلوم وكل مناحي الحياة، وهي آية جلية في بناء الأقيسة الصحيحة وحث على التدبر والفهم العميق وعلم وترو واجتهاد في استنباط العلم من آيات كتاب الله العزيز.
فالقرآن جعله الله تعالى تبيانا لكل شيء ونهجا سليما ومقصدا حكيما لمن أراد وجهه سبحانه وتعالى وهو العمدة الأساسية والركن الأقوى للمحققين.
يقول عز من قائل: (انه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) الآية
فالقرآن هو القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تبيان لكل شيء وهدى ورحمة لقوم مؤمنين معجزة في لفظه ومعناه ومحتواه، وفي مبناه وفي مقاصده وحجة على الخلق، برهانه يزداد قوة وضياءا على امتداد الأزمنة والعصور، فكلما اجتهد العلماء وتعمقوا فيه بحثا ودراسة الا وأمدهم ببالغ الحجة ومنتهى البرهنة والدقة ومكنهم من اليقين في المعرفة وأعانهم على ادراك حقائق الأشياء، وكتاب الله العزيز أنزله الله تعالى بعلمه وحث عباده الى امعان النظر والتفقه والتدبر لاستخلاص واستنباط هذه الغزارة العلمية النافعة لحياة الانسان في كل العصور بما علمه الله وهي لا تتأتى الا بعد بحث واستقصاء متلازمين وقلب محب وجل يطلب الرشد والهداية من كتاب محكم المقاصد، ودعوته رشيدة هادية ونابضة بالحق والعدل، وهي دعوة سليمة مشمولة بالرحمة والهداية الحقة التي لا زيغ فيها ولا ضلال.
ولقد بين لنا القرآن الحكيم أن التعارض غير موجود في الأدلة النقلية القاطعة التي جاءت في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتواترة أو ما انعقد عليه الاجماع، والنص القاطع لا ترجيح فيه، والعالم المجتهد لا يلجأ الى الترجيح الا بعد معرفته المتقصية للنصوص الثابتة وما تم عليها الاجماع عند أهل العلم، وأنه لا يوجد تخصيص أو تقييد أو استثناء أو خبر لواحد.
يقول الامام الغزالي: فان لم يجد لفظا نصا ولا ظاهرا نظر الى قياس النصوص فان تعارض قياسان أو خبران أو عمومان طلب الترجيح فان تساويا عنده توقف على رأي وتخير على رأي آخر.
ويقول الأمدي: أما القطعي فلا ترجيح فيه لأن الترجيح لابد أن يكون دالا على تقوية أحد الطرفين المتعارضين على الآخر والمعلوم المقطوع به غير قابل للزيادة والنقصان فلا يطلب فيه الترجيح.
ولقد بين الشاطبي طرق التصحيح بعد البحث والاستقصاء بالنسبة للحديث وتتبع السند والمتن والمؤخر والمقدم لمعرفة الراجح من المرجوح.
فالترجيحات لها فسحة كبيرة في باب الأصول ونظرات موسعة لا يدركها الا من أوتي حظا وافرا من النظر والتفكير السديد.