نعم قد يتوهم بأن هذا الأمر ليس بمطلق من جهة تقيده بالشرط (إذاسمعتم)،
فالجواب: أنه مقيد في صورة الشرط مطلق في غيرها، ومن يقول بأن الأمر للتكرار يلزمه أن يقول به هنا.
_وفي الحديث أنه يجب إجابة الأذان عند التعدد، مأخذ الوجوب تقدم بيانه، وأما مأخذ ثبوته عند التعدد فمن قوله (إذاسمعتم ... فقولوا) حيث علق الأمر بالإجابة على السماع بالشرط
فإن إذا أداة شرط، والقاعدة في الأصول [أن الأمر المعلق على شرط يقتضي التكرار بتكرر الشرط (قلت: بهذا القيد)].
_واستدل بالحديث على أن من رأى المؤذن وعلم أنه يؤذن بأمارة، ولم يسمعه لبعد أوصمم فإنه لا يجوز له إجابة المؤذن،
ومأخذ الحكم من قوله (إذاسمعتم ... فقولوا) فمفهوم المخالفة مفهوم الشرط أنكم إذا لم تسمعوا فلا تقولوا، والقاعدة في الأصول (أن مفهوم المخالفة الشرطي حجة) هذا مذهب جمهور الأصوليين، والصحيح أنه ليس بحجة، ولعلها تأتي مناسبة لتثبيت ذلك ولايلزم من القول بعدم حجية هذا المسلك الدلالي القول بمشروعية الإجابة في هذه الصورة، بل هي محرمة استصحابا للأصل،فالأصل في العبادة الحظر، لقوله صلى الله عليه وسلم (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
_استدل بالحديث (بعض المالكية واختاره ابن تيمية) على مشروعية إجابة المؤذن في حال الصلاة، مأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الصلاة فمن قوله (إذا) فهي كما تقدم أداة شرط، (وذهب ابن يعيش كما في شرح المفصل إلى أنها اسم زمان مستقبل متضمن معنى الشرط)، والقاعدة في الأصول (أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الإجابة حال الصلاة، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، واحتجوا على ذلك بحديث ابن مسعود في الصحيحين مرفوعا (إن في الصلاة لشغلا)، فهذا خبر بمعنى الأمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق يفيد الوجوب) أي فليشتغل بها، وإجابة المؤذن تنافي ذلك، فيخص عموم حديث أبي سعيد بحديث ابن مسعود، فالقاعدة في الأصول (إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص لأنه أقوى حيث أنه لا يتطرق إليه الاحتمال بخلاف العام فيتطرق إليه احتمال التخصيص)،وفي الحقيقة أن هذا تعارض بين نصين عامين وليس التعارض بين عام وخاص، وجه ذلك أنه قال (الصلاة) والقاعدة في الأصول (أن الألف واللام تفيدالعموم)، فتشمل كل صلاة، ومن ثم قد يدعى أنه مخصوص بالصلاة التي لا يسمع فيها النداء، والقاعدة في الأصول (إذا حصل التعارض بين نصين عامين ولم يعلم التاريخ فإنه يسقط الاستدلال بهما ويرجع إلى الأصل) والأصل هناالحظر.
_وفي الحديث دليل على مشروعية متابعة المؤذن في الترجيع إذاسمع، (والترجيع أن يأتي المؤذن بالشهادتين مرتين بصوت منخفض ثم يرجع فيأتي بهما مرتين بصوت مرتفع، وهو مشروع عند المالكية والشافعية لحديث أبي محذورة عند أبي داود وغيره)،
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، وأنه من قوله (فقولوا)، وأما كون المتابعة مشروعة في الترجيع فمن قوله (مثل مايقول) فما موصولة بمعنى الذي، والقاعدة في الأصول (أن الأسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله، ومن ذلك الترجيع، وفي رد المحتار أنه زيادة كما لو زاد في الأذان تكبير، فلا يشرع متابعته فيه، وهو قياس في مقابلة نص (فسادالاعتبار) والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،وفيه بحث تخصيص العموم بالقياس، وهو قياس باطل من جهة عدم تحقق الجامع في الفرع فالترجيع ليس زيادة كما ادعي.
_وفي الحديث مشرعية متابعة المؤذن في التثويب بنفس اللفظ (قاله بعض المالكية وبعض الشافعية) (والتثويب قول المؤذن الصلاة خير من النوم في الفجر، حكي الاتفاق على مشرعيته، واختلف في محله هل هو في الأذان الأول أم الثاني؟ وهل هو بعد الحيعلتين أم بعد الأذان؟)
ومأخذ المشروعية تقدم بيانه، ومأخذ كون المتابعة في التثويب فتقريره بمثل ما تقدم في الترجيع،
وذهب الجمهور إلى أنه يشرع أن يقول بدله صدقت وبررت،
ودليلهم في ذلك القياس على لا حول ولا قوة إلا بالله، وأقامها الله وأدامها بجامع المناسبة، وهذا قياس معارض للنص والقاعدة في الأصول (أن القياس إذا عارض النص قدم النص)،
¥