تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) وقد جاء في السنة (كل بدعة ضلالة .... ) فتعين القول بالتحريم، وعند ابن أبي شيبة عن الحسن أنه محدث، وعنده أيضا عن ابن الزبير أنه لا يؤذن للجمعة إلا أذانا واحدا، عذرا على الاستطراد أردت النصيحة.
_وفي الحديث دليل على وجوب تحريك الفم وإخراج الحروف من مخارجها لتتحقق إجابة المؤذن، ومأخذ الوجوب من قوله (فقولوا) فهذا أمر، والقاعدة في الأصول (أن الأمر المطلق للوجوب)، والقول في لغة العرب لا يكون إلا بحرف وصوت، والقاعدة في الأصول (أن الحقيقة اللغوية معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وبناءا على ذلك فلو أجرى كلمات الأذان على قلبه لم يكن ممتثلا للخطاب عاملا بمقتضاه.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في الحيعلتين بلفظها، وهذا مذهب بعض الحنابلة كما في الإنصاف للمرداوي، ومأخذ المشروعية من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، ومأخذ ثبوتها في الحيعلتين بلفظها من قوله (ما يقول) ما: اسم موصول والقاعدة في الأصول (أن الاسماء الموصولة تفيد العموم) فيشمل كل مايقوله ومن ذلك الحيعلتين، وذهب الجمهور إلى عدم مشروعية ذلك، وقالوا: إن عموم حديث أبي سعيد مخصوص بحديث عمر في صحيح مسلم مرفوعا وفيه: (إذاقال المؤذن الله أكبر .. ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله .. من قلبه دخل الجنة) لأنه خاص وحديث أبي سعيد عام والقاعدة في الأصول (إذا تعارض العام والخاص قدم الخاص)
وأجاب أصحاب القول الأول: بأن حديث عمر ليس فيه دلالة على ترك الاجابة في الحيعلتين بلفظها وليس متضمنا لاقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ترك ذلك ومن ثم يستدل به على الجواز، فيقال بالتخصيص، وهو أيضا لم يسق لبيان كيفية الاجابة، بل لبيان ترتب الفضل على الصفة غير المنافية لظاهر حديث أبي سعيد، بل لو ثبت أنه (أي حديث عمر) متضمن لترك إجابتها بنفس اللفظ، لم يكن مخصصا لعموم حديث أبي سعيدعلى هذا المعنى، بل كان دالا على جواز التخيير بينهما، وقد قال بذلك ابن المنذر في الأوسط، والصواب القول الأول.
أي أنه يشرع _عندي أنها مشروعية وجوب كماتقدم_ الاجابة في الحيعلتين بنفس اللفظ، وبهذا يحصل الامتثال للأمر الوارد في حديث أبي سعيد، ويستحب أن تزاد الحوقلة لحديث عمر، ومأخذ دلالته على الاستحباب من قوله (من قال: ... دخل الجنة) حيث رتب الثواب على الفعل، والقاعدة في الأصول (أن ترتيب الثواب على الفعل يدل على المشروعية المشتركة بين الايجاب والاستحباب والأصل عدم الأول استصحابا لأصل براءة الذمة فتعين الثاني). _وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن كلمة كلمة، ولا تؤخر الإجابة إلى أن يسكت المؤذن، أما مأخذ المشروعية فقد تقدم بيانه، وأنه مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما كون الامتثال لا يتم إلا على هذه الصفة، فمستفاد من قوله (يقول) فإنه فعل مضارع يفيد الحال، هذا الأصل فيه،
[وللفعل المضارع مخلّصات تخلصه للمضي مثل "لم" في قولنا "لم يقل"، ومخلصات تخلصه إلى الاستقبال كحروف التسويف في نحو قولنا "سوف يقول" (وهذه المخلصات قرائن لفظية تصرف المضارع عن ظاهره الذي هو الحال]، والقاعدة في الأصول (أن اللغة معتبرة في تفسير كلام الشارع)، وفي معنى هذا ماجاء عند النسائي في الكبرى وابن خزيمة في صحيحه من حديث أم حبيبة أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت، إذا تقرر ذلك وأن هذا محل المشروعية، فهنا سؤال وهو:
إذافرغ المؤذن من الأذن ولم يجبه المرء فهل يشرع له القضاء أم لا؟
الجواب: لا يشرع له ذلك، لأن القاعدة في الأصول (أن القضاء لايشرع بالأمر الأول بل بأمر جديد) ومأخذ القاعدة أن ما بعد الوقت لم يتناوله اللفظ فلم يجب فيه الفعل كما قبل الوقت، وأن تخصيص الأمر بالوقت كتخصيصه بالشرط ولو علق الأمر بالشرط لم يجب مع عدمه فكذلك إذا علق على الوقت ولأن السيد من العرب إذا قال لعبده اجلس في الدار يوم الخميس لم يشمل الجمعة بدليل أنه يجوز له أن يقول اجلس يوم الخميس ولا تجلس يوم الجمعة، وهذا مذهب جمهور الأصوليين، ويخرج للمخالفين في المسألة الأصولية (الحنفية والحنابلة) مخالفة فروعية وهي: أنه يشرع القضاء في هذه الصورة.
_وفي الحديث دليل على أن من سمع بعض النداء فإنه يشرع له إجابة ذلك البعض، وقد حكي اتفاقا، ومأخذ المشروعية مستفاد من قوله (قولوا) على الوجه الذي تقدم، وأما مأخذ كونها ثابتة في هذه الصورة فمستفاد من قوله (نداء) والبعض المشروع (بهذا القيد) يصدق عليه أنه نداء (هذا بحث في الاطلاق الذي تضمنه اللفظ العام "النداء")،
واختلفوا هل يشرع قضاء مافات؟ فذهب بعض المالكية إلى عدم المشروعية وخالف في ذلك الجمهور، والصحيح مذهب بعض المالكية لما تقدم من أن القاعدة في الأصول (أن القضاء لا يشرع إلا بأمر جديد) ولا أمر في هذه الصورة.
_وفي الحديث دليل على مشروعية إجابة المؤذن في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، أما مأخذ المشروعية فتقدم بيانه، وأما مأخذ كون المشروعية ثابتة في حال الجماع وكون المرء في الخلاء، فمن قوله (إذا) فهي أداة شرط كما تقدم، والقاعدة في الأصول:
(أن إذا الشرطية تفيد العموم)، فتشرع الاجابة في هذه الحال، وفي شرح مسلم للنووي القول بتخصيص هاتين الصورتين من العموم، ولاأعرف دليلا مستقيما لمن قال بالتخصيص.
أكتفي بهذا القدر في الكلام على هذا الحديث. والله أعلم.
¥