ما أقدرَ هذا الذهنَ الصغير على تحمُّل هذا القرارِ الكبير!
وهل هي تملك القرارَ أصْلاً؟ أليس القرار مُعَدًّا من قبل، أعدَّه أساطين الحريَّة الشخصيَّة، وأربابُ المنافحة عن حقوق الإنسان؟!
أُفٍّ لكم ولحريَّتكم التي تقِفُ عند حدود شُقر الرؤوس، وزُرق العيون، ولا تتجاوزها إلى الذين تعدُّونهم بالكلام بشرًا مثلكم، وبالفعل حشراتٍ مُؤذية تتنافسون في سَحْقها!
أفٍّ لشعاراتكم الجوفاء عن حقوق الإنسان، ألا ليتكم توضِّحونها بقيدٍ يصرفُ الجُهلاء من بني جِلْدتنا عن الاغترار بها! ليْتَكم تقولون: حقوق الإنسان الغربي أو الأوروبي، أو ما شِئتم من القيود!
أليس من حقِّي - في أعرافكم ودساتيركم - أنْ ألْبَسَ ما أشاء من الثياب، وأُنْشِئ ما يحلو لي من التصرُّفات؟!
ألستم تزعمون أنَّ للفرد حريَّته التامَّة؛ في مُعتقده وفِكره، وتعبيره وهَيْئته، ولباسه وأكْله وشُرْبه، ما دامتْ حُريَّته لا تتعارضُ مع حريَّة الآخرين؟! وهل حجابي الذي أضعه على رأْسي يعارضُ حريَّة زملائي أو أساتذتي في الدَّرْس؟!
أنتم تقبلون في مجتمعكم العاهرة التي تبيع عفافَها لكلِّ ذئبٍ بشري، وتقبلون الراقصة العارية التي لا تردُّ يدَ لامسٍ، وتقبلون الممثِّلة في الأشْرطة الداعرة البهيميَّة - ولتعذرني البهائم - ثم لا تقبلون فتاةً تضعُ على رأْسها حِجابًا؟!
في مجتمعاتكم شبابٌ متعصِّبون، يحلقون رؤوسَهم، ويَشِمون على سواعدهم صليبَ النازيَّة المعقوف، ويُثنون على زعماء الفاشية الذين قُتِل بسبب حماقاتهم ملايين الأوروبيين، ومع ذلك لم تتحرَّكْ حكوماتكم لسنِّ القوانين، وتجريم هذه الأعمال، أضاقتْ عقولُكم وقلوبُكم عن تقبُّل فتياتٍ مُهذَّباتٍ مُحجباتٍ، ليس في هيئتهنَّ عليكم من ضررٍ؟! ولكن، لِمَ ألومُكم؟!
ليس الخطأ منكم، ولا العتب عليكم، ومتى عوتِبَ الذئبُ على قرمه إلى لحوم النعاج؟! أم متى لِيمَتِ السباع على افتراسِها ضعافَ الأنعام؟!
وهل أنتم إلا عدوٌّ من الأعداء، كشَّر عن أنيابه منذ زمان بعيد، وأظْهَرَ لُؤْمَه وعَدَاوته كلَّما تمكَّن من ذلك؟! ومتى كان الذي بين الأعداء عتابًا وعذلاً؟!
أنا ألومُ بعضَ حُكَّام المسلمين الذين يضطهدون المحجَّبات في بُلدانهم، فيكونون للأوروبيين قدوةً في الشرِّ.
وألومُ المفكِّرين المنتسبين للإسلام، حين يهوِّنون من شأْنِ الحجاب، كأنَّه ليس من شريعة الله.
وألوم المجتمعات الإسلاميَّة التي تتهالكُ على حضارة الغرب، وثقافة الغرب، وكلِّ ما يأتي من الغرب، حتى صِرْنا محتاجين إلى الغرب في كلِّ ما نُبْقي وما نَذر، وصار الغرب عنَّا في غنًى.
وألوم الآباءَ الذين يُرسلون أبناءَهم إلى بلاد الكفر، فيَسلم القليلُ منهم بعد سنوات من المجاهدة والمدافَعة، ويضيع الأكثرون في مَهَامه الفِسْق، وفيافي الشبهات، فإذا مرَّت السنوات صِرْتَ ترى الرجل المقيم هناك ليس فيه من الإسلام غيرُ الاسم والعنوان، وشيءٌ من التقاليد البالية التي حَزَمها مع أمْتعته حين قَدِم إلى هذه البلاد، وهو يحسبُها من الإسلام، أو يظنُّها الإسلام كلَّه!
ألومُ الآباء حين يصمُّون آذانَهم عن صَرَخات المستضعَفَين من المسلمين الذين يُفتنون في دينهم صباحَ مساء، ولا يَملكون لردِّ العُدوان عنهم حِيلة، ولا يهتدون سبيلاً.
فإذا بهم يحتجون بمن سَلِم من الفتنة، ونجا بدينه، وهم الأقلُّ، ويغمضون أعينهم عن رؤية الهالكين، وهم الأكثر!
وما بهؤلاء الآباء إلاَّ الانبهار بالغرب وثقافته؛ حتى إنَّ كثيرين منهم يُرسلون أبناءَهم للدراسة في تخصُّصات مشهورة، يوجدُ نظائرُها في بلاد الإسلام!
ولو أنَّ الآباء - وهم مُؤتَمنون على أولادهم - عَلِموا أنَّ في مكان ما وباءً يَستشري، أو مَرَضًا ينتشر، لَمَا دَفَعوا بفلذات أكبادهم إلى ذلك الأتُّون المستعر؛ مَخافة أن يلتهمَ صحة أبدانهم، فكيف يهون عليهم أن يُرسلوهم إلى بلاد الغرب، وهم يعلمون أنها تأكلُ أديانَهم، وتُمْرِض قلوبَهم، وتُسَمِّم أفكارَهم؟!
صَدَق رسولُ الله حين تبرَّأ من الذي يقيمُ بين المشركين، وهل تكون إقامة اختياريَّة إلاَّ بمودَّة وإخاء، وبنقضٍ لعُرَى الوَلاء والبَرَاء؟! وهل تكون إلا بتنازُلٍ عن شيءٍ من الدِّين؛ صَغُرَ أو كَبُرَ، وليس في الدِّين صغيرٌ؟!
باتتْ أسماء ليْلَتَها بشرِّ حال، ولَمَّا أضاءَ الكون بشمسِ الصباح الوديعة، كان قلبُها لا يزال في ظُلمة كئيبة.
ذهبتْ بصُحبة والدها إلى المدرسة، وبعد أنْ نزلتْ مِن السيارة، وودَّعتْ والدها بكلمة آلية فارغة من كلِّ شعور، تسلَّلتْ في بطءٍ إلى باب المدرسة.
وهناك على الباب مدَّتْ يدَها اليُمْنى إلى عروة حجابها لتفتحَها، ويدُها اليُسرى إلى خَدِّها؛ لتمسحَ دمعة مهراقة، وضجيج التلاميذ يقرع الأسماع.
ـ[محمد براء]ــــــــ[10 - 10 - 10, 08:43 م]ـ
رجل مجرم ديوث! باع دنياه بآخرته وآخره ابنته .. وما أكثر أمثاله!