إشارات العين لها رموزها ومدلولاتها:
- فإن كانت بمؤخرّ العين الواحدة .. فإنّها نهي عن الأمر
- وتصغيرها .. إعلام بالقبول
- وإدامة نظرها دليل التوجع والأسى
- وكسر نظرها آية الفرح
- وإطباقها دليل على التهديد
- وقلب الحدقة إلى جهة ثمّ صرفها بسرعة تنبيه عن مُشار إليه
- والإشارة الخفيّة بمؤخر العينين معاً .. سؤال
- وقلب الحدقة من وسط العين إلى موقعها بسرعة، شاهد المنع
- وترعيد الحدقتين من وسط العينين .. نهي عام
وكل ذلك لا يدرك إلاّ بالمشاهدة ..
ولا يُعرف إلاّ بالتجربة .. وتجربة العاشقين في حل هذه الرّموز أعظم تجربة. ومن هذه الإشارات والمدلولات التي ترجمها شعراء العرب شعراً خالداً على مدى الأزمان .. وشذى يعبق بالعطر في كل مكان قولهم:
جُننّا بليلى وهي جُنّت بغيرنا
وغيرها بنا مجنونة لا نريدها
ومنها قول الشاعر:
أليس وعدتني يا قلب أني
إذا ما تبتُ عن ليلى تتوب
فها أنا عن حبّ ليلى تائبٌ
فما لك كلّما ذكرت تذوب!!
وللّه درّ أبي الطيب المتنبي في قوله:
يا عاذل العاشقين دع فئة
أضلّها اللّه كيف ترشدها
بئيس الليالي سهدتُ من طرب
شوقاً إلى من يبيت يرقدُها
وهو نفسه الذي أبلاه الهوى وألهبه النّوى ونحُل جسمه، حتى كاد لا يُرى مصوّراً ذلك بالأبيات التالية:
أبلى الهوى أسفاً يوم النّوى بدني
وفرّق الهجر بين الجفن والوسن
روحٌ تردّد في مثل الخلال إذا
أطارت الريحُ عنه الثوب لم تبن
كفى بجسمي نُحوُلاً أنني رجلٌ
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ولم أرَ بياناً أبلغ وأروع من بيان المتنبي .. ولم أتذوّق شعراً كشعر أمير البيان المتنبي .. أكاد أجزم أنه الدّهر المنشد على طول الزّمان وفي كل مكان. تذوق معي الأبيات التالية:
قبلتها ودموعي مزجُ أدمُعها
وقبلتني على خوفٍ فماً لفم
قد ذقتُ ماءَ حياة من مُقبلها
لو صاب ترباً لأحيا سالف الأصم
ترنو إليّ بعين الظّبي مُجهشةً
وتمسحُ الطلّ فوق الورد بالعنَم
اعذروني أيها القراء الأعزاء .. إن تلمست لواحظ العيون وأهدابها .. في سكونها وحركاتها من خلال أبيات المتنبي التالية:
رأيت وجه من أهوى بليل عواذلي
فقلتُ نرى شمساً وما طلع الفجرُ
رأيت التي للسحر في لحظاتها
سيوفٌ ظباها من دمي أبداً حُمْرُ
تناهى سكون الحُسن في حركاتها
فليس لرائي وجهها لم يَمُت عذْرُ
* مفاهيم الحبّ ومدلولاته:
الحبّ في رأي الفقيه «ابن حزم» شيء لا نستطيع أن نصفه، ولا بُدّ من معاناته حتى نعرفه. والدّين لاينكره، والشريعة الإسلامية لا تمنعه، إذا ارتبطت به قلوب المحبين على الطهّارة والعفة.
والمحبة في رأيه مراتب وأنواع، أفضلها محبة المتحابين في اللّه عز وجل، ومحبة القرابة، ومحبّة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبّة التصاحب والمعرفة ومحبّة الطمع في جاه المحبوب أو ماله أو جماله، ومحبّة اللّذة وقضاء الوطر ومحبّة العشق التي لا علّة لها إلا اتصال النفوس.
ولكن تاج المُحبين يرى أن قمة الحبّ هي في المودّة التي تحفظ النّسل والذرّية .. وبدون هذه الذريّة يخبو الحبّ ويذوى وينطفىء وهذا النوع من الحبّ لا يكون إلاّ بين رجل وامرأة جمعتهم وسادة الرحمن لتكون أسرة وذرّية. مصداقاً لقوله تعالى:
.. } وَمِنْ أيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لكُمْ مِنْ أَنْفِسكُمْ أَزْواجاً لتَسكُنوا إليْها، وَجَعَلَ بَيْنكُم مَوَدّةً وَرَحْمةً إنَّ في ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يتفكرونَ {الرّوم/12
ومن علامات الحبّ - عند ابن حزم - ادمان النظر، والاقبال بالحديث على المحبوب، واستغراب كل ما يأتي به مع الاستحسان وكأنه معين الجمال وعين المُحال والسير نحو المكان الذييكون فيه، والدّنوّ منه، والتباطؤ عند القيام عنه واضطراب المحب عند رؤية المحبوب، وتعمد ملامسة يده عند المحادثة، وأن يشرب ما أبقى المحبوب في إنائه.
ومن الأشعار التي ترجمت هذه المعاني والعلامات شعراً عربياً أصيلاً .. مايلي:
قول المتنبي:
لك يا منازلُ في القلوب منازلُ
أقفرت أنتوهُنّ منك أواصل
ما دمت من أرب الحسان فإنمّا
رَوْقُ الشباب عليك طلُّ زائلُ
ولعلّ شعراء الحبّ العذري، هم خير مثال في بيان مفاهيم الحبّ ومدلولاته، وتوضيح هاماته وإشاراته ..
ومنها قول جميل بثينه:
يموت الهوى منيّ إذا ما لقيتها
ويحيا إذا فارقتها فيعودُ
وما قاله قيس بن ذريح في صاحبته لُبنى:
وإنيّ لأهوى النوم في غير حينه
¥