لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
تحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
فيا ليت أحلام المنام يقينُ
ومن غزل أبو الطّيبقوله:
كأنّها في نهارها قمر
حقّ به من جِنَانِهاظُلمُ
ناعمة الجسم لا عظامَ لها
لها بنانٌ ومالها رخِمُ
ومن أشعار قيس بن ذريح قوله:
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى
ويجمعني والهمّ بالليل جامع
نهاري نهارُ الناس حتى إذا بدا
لي الليلُ هزّتني إليك المضاجعُ
لقد رسخت في القلب منك مودّة
كما رسخت في الرّاحتين الأصابعُ
ومن هذه الأشعار قول كثير عزة:
فما للنوّى لا بارك اللّه في النوى
وعهدُ النوى عند المحبّ ذميم
فإما تريني اليوم أبدي جلادةً
فإنيّ لعمري تحتَ ذاكَ كليمُ
* الوحدانيّة في الحبّ:
من العجيب أنّ الفقيه «ابن حزم» يُؤمن بالوحدانية في الحبّ، في عصر عايشه يُبيح للرّجل أن يقتني ما شاء من الجواري وما طاب من الحسان.
ويقول ابن حزم « .. لا يمكن لرجل أن يحب اثنتين، لأنه لا يملك قلبين، ومن شذّ عن ذلك، فحبّه شهوه، وهي من الصّفات المذمومة، والتي قد تقود صاحبها إلى المعصية .. » وأفرد باباً تحدّث به عن العفّة والطهارة.
وخلص ابن حزم في طوق الحمامة إلى ثوابت ثلاثة هي:
* مكانة العيون ودلالاتها من حيث أنّها أبواب المحبة ونوافذ المودّة، وقنوات الشّوق، ومعين الجمال والحُسن.
* الأمر الثاني أن المحبّة لا يدركها إلاّ من وقع في تجربتها .. وعاناها فعلاً .. فلا يفهم لغة العاشقين إلاّ عاشقون مثلهم.
* الأمر الثالث .. الوحدانيّة في الحبّ ...
نقّل فؤادك ما استطعت من الهوى
ما الحبّ إلاّ للحبيب الأوّل
ومن هذه الأشعار قول قيس بن الملوّح - مجنون ليلى -
أعدّ اللّيالي ليلة بعد ليلة
وقد عشتُ دهراً لا أعدّ اللّياليا
أراني إذا صلّيتُ يمّمْت نحوها
بوجهي وإن كان المُصًلى ورائيا
وما بي إشراك ولكنّ حبّها
كعود الشجا أعيا الطبيب المُداويا
أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها
وأشبهه أو كان منه مُدانيا ..
ومن الأمثلة على وحدانية الحبّ حبّجميل وبثينة، وحب قيس بن الملوّح إلى ليلى -مجنون ليلى - وحب قيس ولبنى .. وكثير وعزّه .. وسائر حبّ بني عُذره .. مبنيُّ على الوحدانية في الحبّ والطهارة والعفة.
* تشبيه العيون بالنّرجس:
من طلائع أزاهير الربيع النّرجس، وهو من أشدّ الأزهار تعبيراً وأكثرها تشبيهاً بعيون الحسان له مُقلة وأهداب تماماً كما لعيون الحسان ..
يقول أبو نواس:
لدى نرجس غضُّ القطاف كأنّه
إذا مامنحناه العيون عيون
مخالطة في شكلهنّ بصُفرة
مكان سوادٍ والبياضُ جفونُ
ومن هذه الأشعار قول «ابن المعتز»
عيون إذا عاينتها فكأنها
دموع النّدى منفوقها اجفانها درُّ
محاجرها بيضٌ وأحداقها صفر
وأجسادها خضر وأنفاسها عطرُ
ويقول ابن الرّومي» في هذا المقام:
ونرجس كالثغور مبتسم
به دموع المحدق الشاكي
أبكاه قطر النّدى وأضحكه
فهو من القطر ضاحك باكِ
ومن ألوان الشعر الأندلسي في النّرجس وتشبيهه بعيون الحسان:
انظر إلى نرجس في روضة أنف
غناءً جمعتشتّى من الزهر
كأن ياقوتة صفراء قد طبعت
في غصنه حولها ست من الدّرر
فهذا الشاعر لا يكتفي بالنظر إلى زهرة النرجس على أنها مؤلفة من التويج الصغير وجهاز التكاثر - وهما أصفران - بل هو يعدّ وريقات التويج البيض الست ويعتبرها كأنها مصنوعة من الدّرر .. وهذه الدّرر كناية عن أهداف عيون الحسان الجميلات.
وقال شاعر أندلسي آخر - هو أبو بكر بنحازم:
ونرجس ككؤوس التّبر لائحة
من الزبرجد قد قامت بها ساق
كأنهنّ عيون هدبها ورق
لهنّ من خالص العقيان أحداق
ويقول «الصنوبري» منوّهاً بشذاه العبق زيادة على شكله البديع وتشبيهه بعيون الحسان:
ونرجس مضعف تضاعف منه
الحسن في أبيض وفي أصفر
الدرّ والتبر فيه خلطا
للعين والمسك فيه والعنبر
ومن الشعراء الذين فتنوا بالنرجس «ابن الرومي» فهو يشير في الأبيات التالية إلى تبادل النّرجس والنّدامى الألحاظ كأنه واحد من هذه الحسان .. يقول:
يا حبّذا النرجس ريحانه
لأنف مغبوق ومصبوح
كأنّه من طيب أرواحه
ركبّ من رَوْحِ ومنرُوحِ
أبدى وجوهاً غير مقبوحة
في زمن ليسب مقبوح
يا حسنه في العينُ يا حسنه
من لامح للشرب ملموح
كأنّما الطلّ على نوره
ماء عيون غير مسفوح
وفي قصيدة يفضّل بها ابن الرّومي النّرجس على الورد نقتطف الأبيات الشعرية التالية:
خجلت خدود الورد من تفضيله
خجلاً تورّدها عليه شاهد
لم يخجل الورد المورّد لونه
إلاّ وناحله الفضيلة عائد
للنّرجس الفضل المبين وإن أبى
آت وحاد عن الطريقة حائد
فصلْ القضيّة أن هذا قائد
زهر الرّبيع وأن هذا طارد
شتّان بين اثنين هذا موعد
يسلب الدّنيا وهذا واعد
وإذا احتفظت به فأمتعُ صاحب
بحياته لو أن حيّاً خالدُ
أين العيون من الخدود نفاسة
ورياسة لولا القياس الفاسد
لقد ذكر ابن الرّومي أنّ النرجس رسول الربيع والبشيربه، وأن الورد إنما يتفتح في نهايته، ومن المعلوم أن بعض الورود تنمو في الخريف وبهذا الاعتبار يكون ثمة تفاوت بين النرجس وبين الورد مثل ذاك التفاوت بين الخدود والعيون نفاسة وجمالاً.
* تشبيه العيون بعيون المها:
عيون المها - البقر الوحشي - تمتاز باتساعها وجمالها وبريقها وشدّة سواد مُقليتها .. مع بياض ناصعفي أحداقها .. فاستعار الشعراء هذه الصّفات المها والصقوها معيناً للجمال في عيون الحسان ..
وأكثر ألوان هذا الشعر عند شعراء الجاهلية وخصوصاً شعراء المعّلقات .. ومنها قول «امرؤ القيس»:
مهفهفة بيضاء غير مغاضة
ترائبها مصقولةٌ كالسّجنجلِ
تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي
بناظرة وحشي وَجْرَةَ مطفلِ
ومن أشعار عمر بن أبي ربيعة المخزومي في الغزل قوله:
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين خمسٍ كواعبٍ أتراب
ثمّ قالوا: تحبّها؟ قلت بَهْراً
عدد النّجم والحصى والتّراب
وقول جرير:
عيون المها بين الرّصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث ندري ولا ندري؟
وختام المسك في تشبيه عيون الحسان بعيون المها قول أبو الطيب المتنبي .. يتغزّل في شامية .. فتاة من الشام.
كلّ جريح ترجى سلامته
إلا فؤاداً رمته عيناها
تَبْتَلُّ خدي كلما ابتسمت
من مطر برقه ثناياها
ما نفضت في يدي غدائرها
جعلته في المدام أفواها
كلّ مُهاة كأن مقلتها
تقول إياكم وإياها ..