و جميع هذه الكتب غير مطبوع، و بعضها مكتوب على الآلة الكاتبة، فإخراج كتاب " تنبيه الخلف الحاضر " هو باكورة ذلك، أسأل الله تعالى أن يجعله فاتحة خير، و ييسر إخراج غيره و طباعته و نشره.
عقيدته
من خلال النظر في ترجمة الشيخ " بَداه "، و ثناء العلماء عليه، و النظر في بعض كتبه، يتضح جليا ما يتميز به من معتقد سليم، ومنهج دعوي مستقيم، و يمكن بيان مظاهر ذلك بإيجاز في النقاط التالية:
أولا: موقفه من توحيد الاسماء و الصفات
يعتبر هذا الكتاب الذي بين أيدينا أصدق دليل على اتباع الشيخ " بَداه " لاعتقاد السلف، فإنه لم يؤلفه إلا لبيان ما كان عليه أئمة الإسلام، من إثبات لأسماء الله تعالى و صفاته، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
قال الشيخ " بَداه " في هذا الكتاب: (إن السلامة في اتباع هدي النبي صلى الله عليه و سلم وما كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة، و أن أصول التأويل كلها راجعة إلى الجهمية و المعتزلة و الخوارج، و أن ما يلزم المتكلمون أهل السنة و الجماعة في صفات الاستواء و النزول و اليد و غيرها، فإن أهل السنة يلزمونهم به في الصفات التي يثبتونها، لأن جميع صفات الباري عز و جل من باب واحد، فكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم لا يختشى منه تشبيه ولا تكييف، و يمر كما جاء مع اعتقاد التنزيه لله عز و جل عن التشبيه ... و لأن من باينت ذاته الذوات باينت بديهة صفاته الصفات ... ).
إلى غير ذلك من المواضع التي تدل على سلفيته بل نقله عن أئمة أهل السنة و الحديث خير شاهد على ذلك
بالإضافة إلى إلزامه للأشاعرة بكتب " الإبانة " لأبي الحسن الأشعري، وعقده فصلا لإثبات صحة نسبته إليه.
ثانيا: موقفه من صفة الكلام لله تعالى
هذا و إن كانت هذه الصفة داخلة في توحيد الأسماء و الصفات، لكني أفردها هنا لتظاهر بعض المتكلمين بإثباتها مع مخالفتهم لأهل السنة فيها، لذلك عقد الشيخ " بَداه " في هذا الكتاب فصلا لبيان معتقد أهل السنة في الكلام، ناقلا عن أئمتهم، مبينا أنه حرف و صوت، كما يليق بذات الله تعالى، على وفق ما دلت عليه النصوص، و أجمع عليه الأئمة.
ثالثا: موقفه من علماء أهل السنة
لقد عرف الشيخ " بَداه " لعلماء السنة قدرهم، فعظمهم و دافع عنهم، و اعتقد اعتقادهم، و منهم شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي ظلمه كثير من خصومه ظلما حسيا و معنويا، فقال الشيخ " بَداه " مدافعا عنه كما في هذا الكتاب ما نصه: (فمن طعن على شيخ الإسلام في هذا، فليطعن على أئمة الإسلام و السلف الصالح قبله جميعا، ولا يجعل شيخ الإسلام حائطا قصيرا يتخطاه القوي و الضعيف، جراء إشاعات من أعدائه لا أصل لها ولا فرع في الحقيقة، فلو كان ما يقول الطاعنون الجاهلون بحياته و مستواه في العلم حقا، لما سمي شيخ الإسلام من طرف خمسة و ثمانين عالما، كما بيناه في ترجمته في " القول المفيد في ذم قادح الإتباع و مادح التقليد " ... ).
بل قد اشتهرت أبياته الرائعة في مدحه لشيخ الإسلام، ومنها:
تقي الدين أحمد لا يبارى ** بميادين العلوم و لا يمارى
تقي ماجد برّ كريم ** يدور مع الأدلة حيث دارا
برئت إلى المهيمن من سماعي ** مقالات تقال له جهارا
وقد أشار صاحب كتاب " السلفية " (ص: 69) إلى اشتهار الشيخ " بَداه " بنصرة المؤسسات السلفية
و القائمين عليها، و على رأسها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، لمّا اتهمها أهل بلاده بالبدع، فبين صحة ما تثبته من اعتقاد، و أثنى عليها شعراً، فقال:
في جامعة الإسلام في القلب موقع ** أليس بها نور المدينة يستطع
وقد رامها أبناء بجدتنا على ** قيادة ابن باز الرفيع المرفع
وقد أحكمت أحكامها و دروسها ** و هيئتها الحسنى هناك تلمع
إلى قوله:
فبورك في أعضائها و دروسها ** و في ملكها لهو الشجاع المقنع
رابعا: موقفه من علم الكلام و التصوف
أما علم الكلام، فقد أفرد في بيان زيفه كتاب " الدر النضيد في علم الكلام و حقيقة التوحيد ".
و أما التصوف فقد ذكر صاحب كتاب " السلفية " (ص: 471) حكمة العلامة " بَداه " في معالجته للانحرافات الطرقية، في مقابلة أجراها معه حيث قال العلامة " بَداه ": (إن مصلحة الدعوة السلفية تحتم علينا أن نتحاشا المصادمة مع أصحاب الطرق الصوفية، الذين هم أكثر أهل هذه البلاد، وذلك رغبة في اجتذاب الناس إلى منهج السلف و عقيدتهم، دون الدخول في مشادات كلامية لا جدوى من ورائها، لذلك فإننا نركز على بيان المنهج الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته رضي الله عنهم و التابعون لهم بإحسان، و نحذر من كل ما يخالف ذلك، دون أن نذكر أسماء الطرق الصوفية أو مشايخها).
خامسا: جهوده في خدمة الإسلام
للشيخ " بَداه " حفظه الله جهود مشكورة في قطره متمثلة في: مدارسه العلمية، و كثرة طلابه، و نشره للعلم تدريسا و تأليفا، و إفتائه للمسلمين، و محاضراته الإصلاحية، إلى غير ذلك.
فنسأل الله تعالى: أن يحفظه من بين يديه و من خلفه، و أن يسدد خطاه في طريق طاعته.
¥