[مسلمو غرناطة بعد عام 1492 (عرض كتاب)]
ـ[جمال عبد الرحمن]ــــــــ[21 - 02 - 08, 01:23 ص]ـ
لعلنا لا نضيف جديدا حين نقول إن الكتاب الذى نقدم له الآن لا غنى عنه لمن يريد التعرف على جوانب محنة مسلمى الأندلس بعد سقوط دولتهم. والكتاب يكتسب أهميته الكبيرة لسببين: شخصية المؤلف، والموضوع الذى يطرحه.
مؤلف الكتاب هو خوليو كارو باروخا عالم الاجتماع المعروففى إسبانيا وأوربا، وهو صاحب مؤلفات عديدة فى تخصصه، نذكر منها " تزييف التاريخ" و "محاكم التفتيش والشعوذة" و "إقليم نابارا فى القرن الثامن عشر" و "اليهود فى إسبانيا فى العصر الحديث" و"مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492"، هذا إلى جانب عدد هائل من المقالات والمحاضرات المشورة فى مجلات علمية. والمؤلف كان أستاذا بجامعة مدريد ومديرا لمتحف الشعب الإسبانى، وكان عضوا بأكاديمية اللغة الإسبانية وبالأكاديمية الملكية للتاريخ، وقد حصل على أرفع الجوائز العلمية التى تمنحها الحكومة الإسبانية: جائزة الدولة فى الآداب وجائزة أمير أستورياس فى العلوم الاجتماعية.
كانت رحلة الحصول على موافقة أسرة المؤلف على ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية صعبة إلى حد ما، لا لأن الأسرة اعترضت أو اشترطت شيئا -- فهى لم تفعل ذلك—وإنما كانت صعوبة الوصول إلى عناوينهم وإلى معرفة الشخص الذى يمكن الحصول منه على الموافقة.
أسرة باروخا معروفة جدا فى عالم الفكر والأدب، فهى التى أنجبت الروائى بيو باروخا عم خوليو كارو باروخا صاحب هذا الكتاب. بدأت الرحلة انطلاقا من المجلس الأعلى للبحث العلمى فى مدريد، وقد عرفنى زملائى هناك على الدكتورة كارمن أورتيث الأستاذة بالمجلس والتى أعدت رسالة الدكتوراه تحت إشراف البروفيسور باروخا. وقد قدمت لى الدكتورة كل عون وتحدثت عن أستاذها حديث التلميذة الوفية، فلم تتوقف أبدا عن التعبير عن امتنانها لأستاذها الراحل. أمدتنى الدكتورة رويث بعناوين الأسرة وهكذا أمكن الحصول على موافقتهم على ترجمة الكتاب ونشره ضمن إصدارات المجلس الأعلى للثقافة.
أما الكتاب فيمثل أحد المراجع التى لا غنى عنها للباحث عن تاريخ الأندلس بعد عام 1492، أى بعد سقوط غرناطة الإسلامية. ويجد كل من القارئ العادى والباحث المتخصص أسبابا ينزل بمقتضاها هذا الكتاب منزلة خاصة.
ألف باروخا هذا الكتاب فى وقت لم تكن الدراسات الموريسكية قد حظيت بالاهتمام الذى تحظى به الآن، و من ثم فهوأحد رواد هذه الدراسات. وقد سار كثير من الباحثين على نهجه، ويندر أن نجد بحثا عن الموريسكيين يخلو من إشارة إلى كتاب باروخا الذى نقدم له الآن.
لا يسعى المؤلف إلى معالجة مشكلة مسلمى الأندلس فى مجملها، وإنما يكتفى بدراسة ما حل بأهل غرناطة فى إسبانيا قبيل غزو مملكتهم الإسلامية وبعده، ثم ما تعرضوا له فى منفاهم الإجبارى. رغم ذلك فإننا نؤكد أن معظم ما ذكره المؤلف ينطبق على مسلمى الأقاليم الأخرى فى إسبانيا. تختلف حدة الوضع من إقليم إلى آخر، لكن جوهر المشكلة يظل هو نفسه فى كل الأقاليم: يتمسك المسلمون بدينهم ويبذلون الغالى والنفيس فى الذود عنه، ويتحايلون فى سبيل استمرار ممار ستهم لشعائر الإسلام.
يحاول باروخا فى مقدمة الكتاب الاقتراب من مصطلح "نقاء الدم" حتى يمكن للقارئ أن يفهم بعدا جديدا للمشكلة الموريسكية، فالموريسكى -- حتى لو أصبح مسيحيا مخلصا-- سيظل ابنا لسلالة غير مسيحية، وبالتالى "غير نقى الدم"، أى سيظل فى وضع "أقل شأنا" بالنسبة للمسيحيين القدامى. إن هذه المعلومة –التى لا يكاد يتعرض لها أحد بشكل موضوعى—توضح أن كل مسلمى الأندلس –سواء من تنصر منهم حقيقة أو من حافظ على إسلامه فى الخفاء—قد تعرضوا لمحنة.
¥