[منهج ابن كثير في كتابه البداية والنهاية]
ـ[ام الخطاب رشا]ــــــــ[04 - 01 - 08, 08:00 م]ـ
منقول من صفحة الشيخ ابوعبدالله الذهبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد:-
سألني مرة أحد الإخوة الكرام عن كتاب البداية والنهاية، وكان سؤاله (ما هي الكتب التي تنصحني بقراءتها لأكون مطلعاً جيداً على أحداث التاريخ، يضيق صدري كثيراً إذا قرأت البداية والنهاية حيث إني لا أميز الصحيح من الضعيف وما هو الخبر الذي يعتمده ابن كثير).
وكان الجواب كما يلي:-
أما بخصوص استفسارك .. فإني أود أولاً أن أعطيك فكرة عن منهج ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية .. و عن نوعية الأخبار التي يعتمدها في سرده للأحداث و بالأخص عصر الرسالة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم .. والعصر الراشدي – العصر الذهبي –.
يتمثل منهج ابن كثير باختصار كما بينه رحمه الله في مقدمة تاريخه، ثم أعاده مراراً وتكراراً في شتى فصول كتابه، بمناسبات فحص الروايات، و كشف زيف الأخبار الإسرائيلية ونقدها.
ولكنه منهج يدور حول الإسرائيليات، فلا يمكن تطبيقه إلا في قسم المبتدأ، حيث كثرت فيه الروايات الإسرائيلية والأخبار الموضوعة، لجهل الناس بأحوال الأمم الماضية، و دخول أهل الكتاب في الإسلام .. فكانوا سبباً في نشر ما توارثوه من أخبار تشبه الأساطير الخرافية والقصص الشعبية.
لكن ابن كثير رحمه الله شغل في هذا الموضوع – الإسرائيليات -، فنسي في بيان منهجه ذكر سواها، ووضع كل ثقله على هذه النقطة الحساسة، فبسط في بيان منهجه فيها وأكثر من تطبيقه في تاريخه، كما طبقه أولاً في تفسيره. انظر منهجه هذا في: البداية والنهاية (1/ 6 – 7) و تفسير ابن كثير (1/ 3 – 5).
هذا بالنسبة لقسم المبتدأ من البداية والنهاية، أما بعد ذلك فلم يحدد لنا ابن كثير رحمه الله منهجاً سار عليه، واتبعه منذ السيرة النبوية إلى نهاية كتابه، و لكن من يتتبع تاريخ ابن كثير يجد أن مؤرخنا اتبع في كل قسم من أقسام كتابه منهج و ترتيب المؤرخين القدامى الذين استقى منهم مواد تاريخه، وقد اختار مصادر كتابه التاريخي من بين المؤرخين وأهل السير الذين اتصفوا مثله برسوخهم وعلو كعبهم في العلوم الدينية وخاصة علم الحديث.
ففي قسم السيرة النبوية اهتدى ابن كثير بطريقة ابن إسحاق وابن هشام والسهيلي، كما تأثر في ذكر حوادث القرون الأولى من تاريخ الإسلام بتاريخ الطبري وابن الأثير اللذين جعلهما مثلاً له و نموذجاً سار عليه.
واتبع طريقة ابن الجوزي ومن يمثل مدرسته مثل سبط ابن الجوزي و غيرهما في تاريخ القرون المتأخرة، كما تأثر بهم تأثيراً بالغاً في تفصيل التراجم والتوسع فيها وتطويلها وفي ذكر الأخبار العلمية والثقافية والاهتمام بالظواهر الخارقة والغرائب النادرة.
أما في تاريخ عصره فقد سجل ما رآه بعينه، وما سمعه بأذنه وما اطلع عليه من الوثائق الرسمية والرسائل الشخصية وما تلقاه شفهياً من المعلومات.
وقد غلب على ابن كثير منذ أول كتابه إلى نهاية السيرة النبوية أثر الحديث وأسلوبه ومنهجه، فالتزم بالرواية بالأسانيد ونقدها، أو بيان درجة الحديث دون نقد السند للحكم على الأحاديث والروايات على طريقة علماء عصره، وقام بمجهود كبير وسعي مشكور في تحقيق الأخبار وتمحيص الروايات ونقد الأسانيد وفحص بعض المتون وكشف زيف الغرائب والمناكير.
ولكن الاعتماد الأول على سلامة السند في نقد الأحاديث والأخبار – وهو الغالب عليه كمحدث حافظ – سمح أن يدخل في تاريخه بعض الروايات الضعيفة وأخبار واهية، وخاصة في أخبار الماضين،
و حوادث الجاهلية و هواتف الجان و ما جاء في دلائل النبوة ومن بعض الأخبار التي تناقض العقل والسنن الكونية وليست لها قيمة تاريخية أو سند علمي أو اعتبار ديني في الشريعة.
¥